للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الماتريدية بأن مسمى الإسلام والإيمان واحد ضعيف مخالف لمجموع أدلة الكتاب والسنة. فالله تعالى " قد فسر الإيمان بأنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبين أيضا أن العمل بما أمر يدخل في الإيمان ولم يسم الله الإيمان بملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت إسلاما بل إنما سمى الإسلام الاستسلام له بقلبه وقصده وإخلاص الدين والعمل بما أمر به كالصلاة والزكاة خالصا لوجهه فهذا هو الذي سماه الله إسلاما وجعله دينا وقال: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:٨٥] وهذا يقتضي أن كل من دان بغير دين الإسلام فعلمه مردود وهو خاسر في الآخرة فيقتضي وجوب دين الإسلام وبطلان ما سواه لا يقتضي أن مسمى الدين هو مسمى الإيمان بل أمرنا أن نقول آمنا بالله وأمرنا أن نقول وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فأمرنا باثنين فكيف نجعلهما واحدا (١) وقولهم بأن الإسلام والإيمان شيء واحد يلزمهم فيه أحد أمرين إما أن يقولوا إن الإسلام هو التصديق وهذا ما لم يقله أحد من أهل اللغة وإما أن يقولوا إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وهذا خلاف قولهم. والقول بأن كل مؤمن مسلم هذا حق لا مرية فيه ولكن إطلاق القول بأن كل مسلم مؤمن أو من أتى بشرائط الإسلام فهو مؤمن غير صحيح بدليل أن " الإسلام يتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن ولكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا ولا هذا وهم الفساق يكون في أحدهم شعبة نفاق ويتناول من أتى بالإسلام الواجب وما يلزمه من الإيمان ولم يأت بتمام الإيمان الواجب " (٢).فقد يكون مسلما يعبد الله كما أمره ولا يعبد غيره ويخافه ويرجوه ولكن لم يخلص إلى قلبه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ولا أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إليه من جميع أهله وماله وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يخاف الله لا يخاف غيره وأن لا يتوكل إلا على الله وهذه كلها من الإيمان الواجب وليست من لوازم الإسلام فإن الإسلام هو الاستسلام وهو يتضمن الخضوع لله وحده والانقياد له والعبودية لله وحده وهذا قد يتضمن خوفه ورجاءه وأما طمأنينة القلب بمحبته وحده وأن يكون أحب إليه مما سواهما وبالتوكل عليه وحده وبأن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه فهذه من حقائق الإيمان التي تختص به فمن لم يتصف بها لم يكن من المؤمنين حقا وإن كان مسلما وكذلك وجل قلبه إذا ذكر الله وكذلك زيادة الإيمان إذا تليت عليه آياته" (٣).


(١) ((الإيمان)) لابن تيمية (٣٥٠، ٣٥١).
(٢) ((الإيمان)) (٣٦٥).
(٣) ((الإيمان)) (٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>