للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما استدلوا به من الأدلة السمعية هو دليل على نقض قولهم فإن الله تعالى قال: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:١٩] وقال: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:٨٥] وقال: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣] ولم يقل قط إن الدين عند الله الإيمان ولا قال ومن يبتغ غير الإيمان دينا فدل ذلك على عدم صحة القول بترادف الإسلام والإيمان. ويوضح هذا " أن الإيمان أصله معرفة القلب وتصديقه وقوله والعمل تابع لهذا العلم والتصديق ملازم له ولا يكون العبد مؤمنا إلا بهما وأما الإسلام فهو عمل محض مع قول والعلم والتصديق ليس جزء مسماه لكن يلزمه جنس التصديق فلا يكون عمل إلا بعلم لكن لا يستلزم الإيمان المفصل الذي بينه الله ورسوله كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:١٥] فإن كثيرا من المسلمين مسلم باطنا وظاهرا معه تصديق مجمل ولم يتصف بهذا الإيمان" (١).

ولهذا أمرنا الله تعالى أن نقول: آمَنَّا بِاللهِ وأمرنا أن نقول: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وكذلك قول موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس:٨٤] فلو كان مسماهما واحدا- كما قالت الماتريدية - لكن هذا تكرير وكذلك قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:٣٥] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من الليل: ((اللهم لك أسلمت وبك آمنت .. )).وكذا استدلالهم بآية الحجرات دل على نقيض قولهم فإن "القوم لم يقولوا أسلمنا بل قالوا آمنا والله أمرهم أن يقولوا أسلمنا ثم ذكر تسميتهم بالإسلام فقال: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:١٧] (أي) في قولكم آمنا ولو كان الإسلام هو الإيمان لم يحتج أن يقول إن كنتم صادقين فإنهم صادقون في قولهم أسلمنا مع أنهم لم يقولوا .... " (٢).وأما احتجاجهم بقوله تعالى فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:٣٥ - ٣٦] " فلا حجة فيه لأن البيت المخرج كانوا متصفين بالإيمان والإسلام ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما" (٣).

إذا فقول الماتريدية بأن الإيمان والإسلام مترادفان ولا فرق بينهما قول غير صحيح.

والقول الحق الذي دلت عليه الأدلة هو القول بالتلازم بين الإيمان والإسلام فإنهما إذا اجتمعا في الذكر كان المقصود بالإيمان الأمور الباطنة وبالإسلام الأعمال الظاهرة وإذا افترقا كان المقصود بهما واحد وهو الأمور الظاهرة والباطنة.

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص٤٧٢ - ٤٧٧


(١) ((الإيمان)) (٣٢٢).
(٢) ((الإيمان)) (٣٢٠).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>