للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: الوحدة في الأفعال والمراد بها انفراده تعالى باختراع جميع الكائنات عموما وامتناع إسناد التأثير لغيره تعالى في شيء من الممكنات أصلا. وجماع قولهم في توحيده تعالى أنه واحد في ذاته لا قسيم له أو لا جزء له واحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له (١).والأخير يسمى بتوحيد الأفعال وأشهر ما قدموه من الأدلة على إثباته هو دليل التمانع وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله، وأما الأول والثاني والذي هو حاصل توحيدهم قصدوا به نفي التجسيم ونفي التشبيه وأدرجوا في مسمى هذا التوحيد الذي اصطلحوا عليه نفي ما ينفونه من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة لذا جعلوا من أصول عقيدتهم نفي الجسم والجوهر والعرض ونحوها من الألفاظ والمعاني المبتدعة (٢). وهم يقصدون بنفي التجسيم والتشبيه نفي ما ينفونه عن الجسم المطلق وهو "أنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء ولا يتميز منه شيء عن شيء بحيث لا يكون له قدر وحد وجوانب ونهاية ولا عين قائمة بنفسها يمكن أن يشار إليها أو يشار إلى شيء منها دون شيء .... وهذا عندهم نفي الكم والمساحة " (٣).قال الماتريدي في بيان معنى الواحد والتوحيد: " والله واحد لا شبيه له دائم قائم لا ضد له ولا ند وهذا تأويل قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:١١] ... وواحد بالتوحد عن الأشباه والأضداد ولذلك بطل القول فيه بالجسم والعرض إذ هما تأويلا الأشياء وإذا ثبت ذا بطل تقدير جميع ما يضاف إليه من الخلق ويوصف به من الصفات بما يفهم منه لو أضيف إلى الخلق ووصف به " (٤).وقال في موضع آخر: " معنى الواحد أنه إذ هو واحد في علوه وجلاله وواحد الذات محال أن يكون له في ذاته مثال إذ ذاك يسقط التوحيد .... وواحد الصفات يتعالى عن أن يشركه أحد في حقائق ما وصف به العلم والقدرة والتكوين بل كل وصف من ذلك لغيره به بعد أن لم يكن، ومحال مماثلة الحديث القديم " (٥). وقال بأنه تعالى " واحدي الذات إليه حاجات الآحاد متعال عن معنى الآحاد عما يوجب صفة الإعداد ويتمكن فيه صفة التغير والزوال أو الحدود والنهاية موصوف بالقدم والتكوين والقدرة جل وعز عن التغير والزوال ... " (٦).وأصل توحيدهم هذا يقوم على أن معنى الواحد هو ما ليس بجسم إذ إن الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين وذلك ينافي الوحدة (٧).وهذا التفسير لمعنى الواحد معلوم الفساد بالضرورة وهو لا ريب باطل شرعا وعقلا ولغة فإن " من المعلوم بالاضطرار أن اسم (الواحد) في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات وسلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم" (٨). بل إنه قد ورد في كثير من الآيات والأحاديث إطلاق لفظ الواحد على الذات الموصوفة بالصفات القائمة بنفسها والتي هي من الأجسام كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:١] ومعلوم أن النفس الواحدة التي خلق منها زوجها هو آدم ....


(١) انظر ((التوحيد)) (٢٣، ١١٩، ١٢١)، ((بحر الكلام)) (٤، ١٩)، ((المسامرة)) (٤٣)، ((جامع المتون)) (٤، ٥)، ((نثر اللآلئ)) (٩)، ((شرح الطحاوية الميداني)) (٤٧)، ((بيان الاعتقاد)) (ل١٦).
(٢) انظر ((التوحيد)) ((٣٨، ٣٩))، ((تبصرة الأدلة)) (ل٦٦ - ٨٦)، ((التمهيد) (٦ - ١٢)، ((المسايرة)) (٢٤ - ٣٠)، ((إشارات المرام)) (١٠٧).
(٣) ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٤٧٥).
(٤) ((التوحيد)) (٢٣).
(٥) ((التوحيد)) (١١٩).
(٦) ((التوحيد)) (١٢١).
(٧) انظر ((التوحيد)) (١٣٨، ١٣٩)، ((تبصرة الأدلة)) (ل ٧١، وما بعدها))، ((التمهيد)) (٨ - ١١)، ((النور اللامع)) (ل ٢٠).
(٨) ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٤٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>