للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم وجسد آدم جسم من الأجسام وقد سماها الله نفسا واحدة علم أن الجسد يوصف بالوحدة ... وقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر:١١]. فإن الوحيد مبالغة في الواحد فإذا وصف البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فإنه واحد أولي ومع هذا فهو جسم من الأجسام. وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ [التوبة:٦] وقال تعالى وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف:٣٦] وقال تعالى: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا وفي الصحيح ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيصلي الرجل في الثوب الواحد فقال أو لكلكم ثوبان)) (١) وفي الصحيح ((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) (٢) ... " (٣)." والاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها .... فليس لأحد أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بها أمته وهي لغة العرب ولغة قريش خصوصا. ومن المعلوم المتواتر في اللغة ... أنهم يقولون درهم واحد ودينار واحد ورجل واحد وامرأة واحدة وشهرة هذا عند أهل اللغة شهرة سائر ألفاظ العدد فكيف يجوز أن يقال إن الوحدة لا يوصف بها شيء من الأجسام وعامة ما يوصف بالوحدة في لغة العرب إنما هو جسم من الأجسام" (٤). ثم إن أصل لفظ الواحد في اللغة يدل على معنى ثبوتي وليس سلبي. قال ابن فارس: " (وحد) الواو والحاء والدال أصل يدل على الانفراد " (٥).

فتفسيرهم لمعنى الواحد تفسيرا سلبيا ليس بصحيح بل هو معلوم الفساد بالضرورة لذا "يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة إنه أمر لا يعقل ولا له وجود في الخارج وإنما هو أمر مقدر في الذهن ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر ولا يتميز منه شيء عن شيء بحيث يمكن أن لا يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن سماه المسمى جسما. وأيضا فإن التوحيد إثبات لشيء هو واحد فلا بد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها ويتميز بها عما سواه حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية ولا مجرد عدم المثل إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو عليه حقيقة يستحق بها واحدا .... لذلك أهل الإثبات من أهل السنة والحديث يصنفون كتب التوحيد يضمنونها ثبوت الصفات التي أخبر بها الكتاب والسنة لأن تلك الصفات في كتابه تقتضي التوحيد ومعناه" (٦).والمقصود هنا أن التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ليس هو هذه الأنواع الثلاثة التي ذكرتها الماتريدية وغيرهم من المتكلمين " وإن كان فيها ما هو داخل في التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهم مع زعمهم أنهم الموحدون ليس في توحيدهم التوحيد الذي ذكر الله ورسوله بل التوحيد الذي يدعون الاختصاص به باطل في الشرع والعقل واللغة " (٧). كما تقدم بيانه، "وذلك أن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه وأقر بأنه وحده خالق كل شيء لم يكن موحدا بل ولا مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له " (٨).

وبهذا يظهر لنا فساد تصور الماتريدية واعتقادهم لتوحيد الله وذلك أنهم اعتصموا بعقولهم ولم يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهما النور الذي أنزل الله على رسوله فمن اتبعه كان من المفلحين قال الله تعالى فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص١٨٩ - ١٩٤


(١) رواه مسلم (٥١٥) من حديث أبي هريرة بلفظ (أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال أو لكلكم ثوبان؟)
(٢) رواه البخاري (٣٥٩) ومسلم (٥١٦) بلفظ عاتقيه
(٣) ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٤٨٨، ٤٨٩) وانظر ((الفتاوى)) (٦/ ١١٢، ١١٣، ١٧/ ٢٣٥، وما بعدها).
(٤) ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٤٩٢، ٤٩٣).
(٥) ((معجم مقاييس اللغة)) (٦/ ٩٠، ٩١)، وانظر ((تهذيب اللغة)) (٥/ ١٩٢).
(٦) ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٤٨٣، ٤٨٤).
(٧) ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٤٧٨).
(٨) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٢٥، ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>