ويعرف دليل الحدوث بدليل حدوث الجواهر والأعراض وبدليل حدوث الأجسام وبدليل حدوث الأعراض وذلك أنهم يقررون قبل إقامتهم لمقدمات الدليل أن العالم وهو كل ما سوى الله تعالى من الموجودات ينقسم إلى جواهر وأعراض والجوهر هو ما له قيام بذاته والعرض ما لا قيام له بذاته ثم يبنون الدليل على هذا التقسيم ويقيمونه على أربع مقدمات كبرى وهي:
الأولى: إثبات الأعراض.
الثانية: إثبات حدوث الأعراض.
الثالثة: إثبات عدم خلو الجواهر عن الأعراض.
الرابعة: إثبات عدم تقدم الجواهر على الأعراض.
والنتيجة أن العالم بجميع أجزائه حادث والحادث لابد له من من محدث وهو الله تعالى.
وفيما يلي تفصيل الدليل كما ذكره أبو المعين النسفي في (التمهيد) " دليل ثبوت الأعراض أن الجوهر قد يكون ساكنا ثم يتحرك وهكذا على القلب ولو لم تكن الحركة والسكون معنيين وراء ذات الجوهر بل لو كانا راجعين إلى ذاته لكان في الأحوال أجمع ساكنا متحركا لوجود ذاته الموجب لهما ولما اختص كل صفة بحالة على حدة ثبتت الأعراض ثم الأعراض كلها حادثة عرف حدوث بعضها بالحس والمشاهدة وبعضها بحدوث أضدادها المنعدمة عند حدوثها بالدليل فإنها لما قبلت العدم دل أنها كانت حادثة إذ المحدث هو الذي يكون وجوده وعدمه في حيز الجواز فأما القديم وهو واجب الوجود لذاته فيكون مستحيل العدم فيكون جواز العدم وتحققه دليل الحدوث.
وإذا كانت الأعراض كلها محدثة يستحيل خلو الجواهر عنها إذ وجود جوهرين غير متفرقين ولا مجتمعين وتوهم جسم في مكان واحد في حالة البقاء غير متحرك ولا ساكن محال وكذا خلو الجواهر عن الألوان كلها والطعوم والروائح مما يحيله العقل كما يحيل اجتماع المتضادات في محل واحد في وقت واحد وإذا استحال خلو الجواهر عنها استحال سبق الجواهر عليها لما أن في السبق الخلو والخلو محال فكان السبق محالا فإذن لم تسبق الجواهر الأعراض وما لا يسبق الحادث فهو حادث ضرورة لمشاركته المحدث فيما كان لأجله محدثا وهو أن لوجوده ابتداءً.