للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رحمه الله في موضع آخر موضحا أن الإقرار بوجود الله أمر فطري ضروري: " وأيضا فالحاجة التي يقترن مع العلم بها ذوق الحاجة هي أعظم وقعا في النفس من العلم الذي لا يقترن به ذوق ولهذا كانت معرفة النفوس بما تحبه وتكرهه وينفعها ويضرها هو أرسخ فيها من معرفتها بما لا تحتاج إليه ولا تكرهه ولا تحبه ...

ولهذا كان أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري فطري وذلك أن اضطرار النفوس إلى ذلك أعظم من اضطرارها إلى ما لا تتعلق به حاجتها ... ولا شيء أحوج إلى شيء من المخلوق إلى خالقه فهم يحتاجون إليه من جهة ربوبيته إذ كان هو الذي خلقهم وهو الذي يأتيهم بالمنافع ويدفع عنهم المضار" وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:٥٣]

وكل ما يحصل من أحد فإنما هو بخلقه وتقديره وتسبيبه وتيسيره وهذه الحاجة التي توجب رجوعهم إليه بحال اضطرارهم وهذه الحاجة التي توجب رجوعهم إليه بحال اضطرارهم كما يخاطبهم بذلك في كتابه وهم محتاجون إليه من جهة ألوهيته فإنه لا صلاح لهم إلا بأن يكون هو معبودهم الذي يحبونه ويعظمونه ولا يجعلون له أندادا يحبونهم كحب الله بل يكون ما يحبونه سواه ... وإنما يحبونهم لأجله ... ومعلوم أن السؤال والحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم والاعتراف بالحاجة والافتقار ونحو ذلك مشروط بالشعور بالمسئول المحبوب المرجو المخوف المعبود المعظم الذي تعترف النفوس بالحاجة إليه والافتقار ...

فإذا كانت هذه الأمور مما تحتاج النفوس إليها ولا بد لها منها بل هي ضرورية فيها كان شرطها ولازمها وهو الاعتراف بالصانع والإقرار به أولى أن يكون ضروريا في النفوس. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ((كل مولود يولد على الفطرة)) (١) وقوله فيما يروي عن ربه: ((خلقت عبادي حنفاء)) (٢) ونحو ذلك لا يتضمن مجرد الإقرار بالصانع فقط بل إقرارا يتبعه عبودية لله بالحب والتعظيم وإخلاص الدين له وهذا هو الحنيفية" (٣).ثم قال: " والمقصود هنا أن كثيرا مما يجعلونه مقدمات في أدلة إثبات الصانع وإن كان حقا فإنه لا تحتاج إليه عامة الفطر السليمة .... " (٤)." ومن أعظم المصائب أن يصاب الإنسان فيما لا سعادة له ولا نجاة له إلا به ويصاب في الطريق الذي يقول أنه به يعرف ربه ويرد عليه فيه إشكال لا ينحل ... " (٥).


(١) رواه البخاري (١٣٨٥) واللفظ له ومسلم (٢٦٥٨).
(٢) رواه مسلم (٢٨٦٥).
(٣) ((الدرء)) (٣/ ١٣٤ - ١٣٧).
(٤) ((الدرء)) (٣/ ١٤٢).
(٥) ((الدرء)) (٣/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>