للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المتكلمين من الماتريدية والأشعرية لا يوجد عندهم "توحيد الألوهية" فليس عندهم بعد توحيد الذات إلا نوعان من التوحيد:

الأول: توحيد الصفات.

الثاني: توحيد الأفعال.

أما توحيد الصفات فقد عرفت في الفصول السابقة أن توحيدهم هذا فيه تلحيد وإلحاد وتخريف وتعطيل وتحريف.

حيث أرادوا تحقيق التنزيه فوقعوا في أقبح التشبيه.

فشبهوا الله بالحيوانات العجماوات، والجمادات الصامتات، والمعدومات، اللاشيات، والممتنعات المستحيلات المحالات.

فنعوذ بالله من تفسيرهم الذي يورث التعطيل والتحريف والتشبيه كما قاله الإمام الأشعري رحمه الله.

أما توحيد الأفعال: فهو أشهر أنواع التوحيد عندهم، وهو توحيد الربوبية، والخالقية، بمعنى "أن الله خالق العالم وحده، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، والغاية، وأنه معنى "لا إله إلا الله"؟ حيث إنهم فسروا "الألوهية بمعنى "القدرة على الاختراع" (١).

فعطلوا صفة "ألوهية" الله تعالى، وحرفوها إلى صفة "الخالقية" و"القادرية". ولذلك نرى الماتريدية والأشعرية يعرّفون التوحيد بتعريفات مجملة ناقصة غير جامعة لأهم أنواع التوحيد ألا وهو "توحيد الألوهية" الغاية العظمى. وقد سبق أن ذكرنا نصوصهم في تعريف التوحيد" (٢).حتى أن الشيخ محمد عبده ماتريدي الأزهر (١٣٢٣هـ) صرح بأن "توحيد الربوبية" هو الغاية حيث قال بعد تعريفه: "وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ... ". (٣).

فأنت ترى أن هذه التعريفات التي ذكرنا عن الماتريدية تدور حول "توحيد الربوبية" وأنه هو الغاية، ولا تتناول "توحيد الألوهية

مع أنه أهم أنواع التوحيد كلها، وهو الغاية العظمى والمقصد الأسنى الأسمى. وليس توحيدُ "الربوبية" "الخالقية" هو "الغاية العظمى".

وقد وصل بعض الكوثرية في الهذيان إلى حد قالوا: إن تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية، "والألوهية" من مخترعات ابن تيمية (٤).

مع أن تقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية يوجد في كلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله حيث قال في صدد إقامة الحجة العقلية على علو الله تعالى:"والله يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء (٥).

وقد قال الإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى (٣٢١هـ):"نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله، إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره" (٦).

فقوله: "إن الله واحد" توحيد إجمالي يشمل الأقسام كلها، فهو "المقسم" "الكلي" وقوله: "ولا شيء مثله" توحيد الأسماء والصفات، وقوله: "ولا شيء يعجزه" توحيد الربوبية، وقوله: "ولا إله غيره" توحيد الألوهية.


(١) ((التدمرية)) (ص ١٧٩ - ١٨٠، ١٨٥ - ١٨٦)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٩٨، ١٠١).
(٢) راجع ((التبيان)) للفنجفيري (ص ٥٨ - ٥٩).
(٣) ((رسالة التوحيد)) (ص ٤٣).
(٤) ((برائة أبي حامد)) (ص ٨٩ - ٩٥، ١٦٦ - ١٦٧) و ((توسله)) (ص ٢٠ - ٢٦، ٩٧) وانظر ((براهين القضاعي)) (ص ٣٧٧ - ٣٨١)، و ((ردود النوري)) (ص ٢٣٧ - ٢٥٥) و ((مقالات الدجوي)) (١/ ٢٤٩).
(٥) انظر: ((الفقه الأبسط)) (ص ٥١)، وسكت عليه الكوثري فهو حجة عليه.
(٦) ((العقيدة الطحاوية مع شرح ابن أبي العز)) (ص ٧٤ - ١١١)، و ((بشرح الغنيمي)) (ص ٤٧ - ٤٨)، و ((بحواشي ابن مانع)) (ص ٦)، و ((بتعليقات الألباني)) (ص ١٧ - ١٨)، و ((ضمن مجموع الفتاوى لابن باز)) (٢/ ٧٤) و ((بشرح البابرتي الحنفي)) (ص ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>