للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرق بعضهم فارتكب حمقاً جلياً فقال: إن القائل "ربي الله" معترف بتوحيد الربوبية والألوهية جميعاً (١).

فجعل مشركي العرب موحدين معترفين مؤمنين بلا إله إلا الله!.

وكفى به ضلالاً مبيناً، ومن لوازمه: أن من قال: لا رب إلا الله فهو مسلم؛ لأن هذا القائل عند هذا الأخرق - كمن قال: لا إله إلا الله!!!.

وأشنع وأبشع من هذا كله ما ارتكب من يدعي "محمد بن علوي المالكي" من تزوير وتدليس وتحريف وتلبيس؛ حيث صرح دون حياءٍ؛ بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم: من اعترافهم بأن الله هو الخالق الرازق الرب المدبر المحيي المميت، وقولهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، بل كانوا هازلين في جميع ما اعترفوا به (٢).

قلتُ: هذا تكذيب صريح لله تعالى وكتابه المهيمن وإفساد وإلحاد إلى الغاية. وهكذا تلعب البدع والخرافات بأهلها حتى أوصلتهم إلى هذا الحد.

وقد ذكرني هذا اللعاب الذي لعب بكتاب الله حتى ظن أنه هزل لا جد - ما هذى ابن سينا الحنفي القرمطي (٤٢٨هـ) وكثير من كبار أئمة الكلام أمثال: الغزالي (٥٠٥) والرازي (٦٠٦هـ) من الأشعرية، والتفتازاني (٧٩٢هـ) والبياضي (١٠٩٨هـ) من الماتريدية، من أن الكتب السماوية وملل الأنبياء، إنما جاءت بما يوافق ظاهر اعتقاد الجمهور من أن الله تعالى فوق العالم استدراجاً لهم إلى الدين الحق لئلا يتنفروا عن قبول الدعوة ولا يتسارعوا إلى الإنكار والعناد.

وليس القصد بنصوص كون الله تعالى فوق العالم، أن الله فوق العالم حقيقة.

قلتُ: الإنسان إذا وصل إلى هذا الحد في الخرق والحمق والسفسطة والقرمطة - فهو ساقط عن مرتبة الخطاب إلى اصطبل الدواب.

الحاصل: أنه لا يوجد عند هؤلاء المتكلمين "توحيد الألوهية" بوجه أتم وأكمل مفسر ومفصل.

فإن قيل: إن "الألوهية" تدخل في الصفات.

قلنا: لا شك أن صفة "الألوهية" من أعظم صفات الله تعالى التي انفرد بها. ولكن الماتريدية والأشعرية لم يثبتوها "صفة" لله تعالى؟.

لأنهم حصروا صفات الثبوتية الذاتية - التي يسمونها - "صفات المعاني". في أربع على الاتفاق، وهي "الحياة" "والعلم" "والقدرة" "والإرادة" على تفلسف فيها واختلفوا في "السمع والبصر".

وزادت الماتريدية صفة "التكوين" خلافاً للأشعرية، ولكن الخلاف في الحقيقة راجع إلى اللفظ، وأن "التكوين" عبارة عن القدرة والإرادة.

أما صفة "الكلام" فقد عرفت أنهم عطلوها وحرفوا نصوصها إلى "الكلام النفسي" وقالوا جهاراً دون إسرار بلا حياء ولا تقى: بخلق القرآن، وبخلق أسماء الله تعالى الحسنى.

فأين في هذه الصفات المحصورة "صفة الألوهية" التي هي غاية خلق الجن والإنس ولتحقيقها أنزلت الكتب وأرسلت الرسل؟!

بل الماتريدية أرجعوا هذه الصفة العظيمة إلى صفة "التكوين" "والصنع" و"الاختراع" ويشهد لذلك وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن العلامة الكشميري أحد كبار أئمة الماتريدية الديوبندية (١٣٥٢هـ) قد قال: "الأسماء الحسنى عبارة عن الإضافات عند الأشاعرة، أما عند الماتريدية فكلها مندرجة في صفة التكوين" (٣).

قلتُ: من المعلوم أن في أسماء الله الحسنى "الاسم الأعظم" وهو "الله" كما أن فيها اسماً حسناً آخر لله وهو "الإله".


(١) ((البراهين الساطعة)) لسلامة القضاعي العزامي الكوثري (ص ٣٨)، والكتاب قدم له الكوثري و ((براءة الأشعريين) لأبي حامد (ص ٩١ - ٩٢) و ((التوسل له)) (ص ٢٢ - ٢٣).
(٢) راجع ((مفاهيم: يجب أن تصحح)) (ص ٢٦، ٢٧)، وانظر الرد عليه في ((هذه مفاهيمنا)) (ص ١٠٤ - ١٢٠).
(٣) انظر ((فيض الباري)) (٤/ ٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>