للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام أحمد عن الجهم (١٢٨هـ): " ... ووجد ثلاث آيات من المتشابه قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:١١]، وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ الأنعام:٣ [، لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ] الأنعام:١٠٣ [] فهي أصل كلامه على هذه الآيات، وتأويل القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- كان كافراً، وكان من المشبهة. فأضل بكلامه بشراً كثيراً، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية" (١).وقال: "وقالوا: لم يتكلم ولا يتلكم، لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة، والجوارح منفية" (٢).وقال: "وقالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كون شيئاً فعبر عن الله وخلق صوتاً فأسمع، وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف، ولسان وشفتين" (٣).هذه كانت شبهة الجهمية في التعطيل بشهادة الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة. وتبعهم في ذلك الحنفية الماتريدية حذو النعل ورددوا صداهم وطبقوها عملياً فترى كتب الماتريدية مكتظة بهذه الشبهة الجهمية الدافعة لهم على تحريف النصوص وتعطيل الصفات تحريفاً يسمونه تأويلاً، فنراهم كلما يؤولون صفة من صفات الله تعالى يتشبثون بتلك الشبهة الباطلة (٤).ويزعمون أن حمل هذه النصوص على ظاهرها يستحيله العقل فهي إما أن يفوض في معانيها أو تؤول فهم أولاً وقعوا في التشبيه، وثانياً فروا منه، وثالثاً حرفوا النصوص، ورابعاً عطلوا الصفات، وخامساً وقعوا فيما فروا منه من التشبيه والتمثيل بل أشد منه حيث وصفوا الله بصفات المعدوم بل الممتنع (٥).


(١) ((الرد على الجهمية)) (ص١٠٤ - ١٠٥)، وانظر ((سنن الترمذي)) (ص٣/ ٤١ - ٤٢)، و ((فتح الباري)) (١٣/ ٤٠٧) ((شذرات البلاتين)) تحقيق الفقي: ١٥.
(٢) ((الرد على الجهمية)) (ص ١٠٦)، ((شذرات البلاتين)) (ص ١٦).
(٣) ((الرد على الجهمية)) (ص ١٣٠)، و ((ضمن شذرات البلاتين)) (ص ٣٠).
(٤) انظر ((هذه القاعدة في ((المسايرة)) مع المسامرة)) (ص ٣٥، ٢٩)، ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص ٢٥)، و ((إشارات المرام)) (ص١٠٧، ١٨٩)، و ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص ٤٢)، و ((حاشية الكستلي على شرح العقائد)) (ص ٧٣)، و ((حاشية الخيالي على شرح العقائد)) (ص ٥٧)، و ((حاشية البهشتي على حاشية الخيالي)) (ص ٥٧)، و ((حاشية العصام على شرح التلفتازاني على العقائد النسفية)) (ص ١٦٣، ١٥٨) ((شرح المقاصد)) (٤/ ٥٠).
(٥) راجع ((رسالة في إثبات الاستواء والفوقية للجويني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)) (ص١/ ١٨١)، ((درء التعارض)) (٤/ ٩)، و ((التدمرية)) (ص ١٩، ٧٩ – ٨٥)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤٨ - ٥٣، ٩)، و ((الحموية)) (ص٣٢ - ٣٣)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٧ – ٢٨، ١٩٦، ٢٦١)، و ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص ٢٤٥)، و ((جلاء العينين)) لنعمان الآلوسي (ص ٣٩١)، ومقدمة أبي الحسن الندوي لكتاب ((العقيدة السنية)) للشاه ولي الله الدهلوي (ص ٧). وسيأتي مزيد الشرح في مناقشتنا للماتريدية في تعطيلهم لصفة "العلو".

<<  <  ج: ص:  >  >>