للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب جمهورهم إلى القول بالتوقيف في أسماء الله تعالى، أي أن طريق إثبات الأسماء هو السمع، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه وجاء به الشرع. قال الماتريدي - في نفيه لاسم الجسم عن الله-: "وحقه السمع عن الله، أن الجسم ليس من أسمائه، ولم يرد عنه ولا عن أحد ممن أذن لأحد تقليده. فالقول به لا يسع، ولو وسع بالنحت من غير دليل حسي أو سمعي أو عقلي لوسع القول بالجسد والشخص، وكل ذلك مستنكر بالسمع، وليس القول بكل ما يسمى به الخلق، وذلك فاسد (١).وقال أيضاً: "لا يجوز أن يقال لله تعالى يا مبارك ... لأنه لا يعرف في أسمائه هذا بالنقل، وعلينا أن نسكت عن تسميته بما لم يسم نفسه" (٢).وقال في إثبات جواز إطلاق لفظ (الشيء) على الله، وأنه من أسمائه مستدلاً على ذلك بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، وقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام: ١٩]: "وبعد، فإن القول بهذا كله واجب بما ثبت في السمع التسمية به ... " (٣).وقال أبو المعين النسفي: "إن معنى الاسم لو كان ثابتاً من غير إحالة لامتنعنا عن إطلاق الاسم بدون الشرع الوارد به، لأنا ننتهي في أسماء الله تعالى إلى ما أنهانا إليه الشرع، ولهذا لا نسميه طبيباً وإن كانا عالماً بالأدواء، والعلل والأدوية، ولا فقيهاً وإن كان عالماً بالأحكام ومعانيها ... " (٤).وقال عبدالحميد الألوسي في (نثر اللآلئ): "اعلم أن المحققين من العلماء على أن أسماءه تعالى توقيفية بمعنى أن جواز تسميته تعالى باسم موقوف على ورود الكتاب والسنة أو الإجماع ... " (٥).والذي دفعهم للقول بأن أسماء الله توقيفية - مع أن مصدرهم في التلقي العقل - هو خشية إطلاق أسماء على الله تعالى توهم اتصافه سبحانه بما فيه نقص فقالوا بالتوقيف من باب الاحتياط كما نص على هذا صاحب (بيان الاعتقاد) بقوله: "والحق أنه لابد من التوقيف وذلك للاحتياط عما يوهم باطلاً لعظم الخطر في ذلك، فلا يجوز الاكتفاء في عدم إيهام الباطل بمبلغ إدراكنا بل لابد من الاستناد إلى الاستناد إلى إذن الشرع" (٦).والقول بالتوقيف في أسمائه تعالى هو قول أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة قال الإمام أبو عبدالله محمد بن أبي زمنين رحمه الله: "أعلم أن أهل العلم بالله، وبما جاءت به أنبياؤه ورسوله، يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً، والعجز عن مالم يدع إليه إيماناً، وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه، على لسان نبيه ... " (٧).


(١) ((التوحيد)) (ص ٣٨).
(٢) ((التأويلات)) (ل ٥٦٢)، الظاهرية.
(٣) ((التوحيد)) (ص ٤٢، ٩٤)
(٤) ((التمهيد)) (ص ١٠)، ((تصبرة الأدلة)) (ل ٨٤).
(٥) ((نثر اللآلئ)) (ص ٣٤، ٣٥)، وانظر: ((تفسير النسفي)) (١/ ٨٧)، و ((إشارات المرام)) (ص ١١٦)، ((بيان الاعتقاد)) (ل ١٢).
(٦) ((بيان الاعتقاد)) (ل ١٣).
(٧) ((الفتاوى)) (٥/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>