للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البزدوي: "إن الدليل يضطرنا وكل عاقل إلى القول بأن الاسم نفسي المسمى، فإن الناس أمروا بأن يعبدوا الله تعالى، ويوحدوا الله تعالى ويعظموه ويكبروه ويهللوه، ولو أن الاسم غير المسمى لكان هذا خطأ. قال الله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء: ٣٦]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [الحج: ١] ... " (١).وقال أبو المعين النسفي: "اعلم أن الاسم والمسمى واحد ... والله تعالى بجميع أسمائه واحد. دليلنا قول الله عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [الزمر: ٢]، وقوله تعالى: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا [التوبة: ٣١]. الله تعالى أمرنا بأن نوحد الله تعالى فلو كان اسم الله تعالى غير الله لكان حصول التوحيد للاسم لا لله تعالى ... " (٢).

وقال الأوشي في منظومته:

وليس الاسم غيراً للمسمى ... لدى أهل البصيرة خير آل

قال الشارح: "أي ليس الاسم غير المسمى ... بل هو عينه بمعنى أن الحكم الواقع على الاسم واقع على المسمى لا محالة محتجين بقوله تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: ٧٨] وبقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: ١] إذ المعنى تعالى الله، وتنزه الله، لأن المتعال المتنزه عما لا يليق به هو الله تعالى" (٣).

والكلام في مسألة هل الاسم هو المسمى أم غيره - والتي خاضت فيها الماتريدية كغيرها من الفرق الكلامية - من البدع التي حدثت بعد القرون المفضلة، والتي لا أصل لها لا من الكتاب، ولا من السنة، بل لا يعرف عن أحد من السلف ولا أئمة المسلمين أنه تكلم في هذه المسألة بشيء. قال الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله: "وأما القول في الاسم أهو المسمى أم غير المسمى، فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع. فالخوض فيه شين والصمت عنه زين. وحسب امرئ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الله عز وجل ثناؤه الصادق، وهو قوله: قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الإسراء: ١١٠] وقوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: ١٨٠] ويعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر وضل وهلك" (٤).وذكر الإمام أبو محمد رزق الله التميمي رحمه الله: "أن الإمام أحمد رحمه الله كان يشق عليه الكلام في الاسم والمسمى، ويقول: هذا كلام محدث ولا يقول: أن الاسم غير المسمى، ولا هو هو، ولكن يقول: أن الاسم للمسمى، اتباعاً لقوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: ١٨٠] (٥).


(١) ((أصول الدين)) (ص ٨٨، ٨٩، ٩٠).
(٢) ((بحر الكلام)) (ص ٣٧)، وانظر: ((تبصرة الأدلة)) (ص ١٩٨).
(٣) ((نثر اللألئ)) (ص ٣٥)، وانظر: ((بيان الاعتقاد)) (ل ١١)، ((رسالة الخليلي في الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية)) (ل ٤١، ٤٢)، ((تحفة الأعالي شرح ضوء المعالي)) (ص ٢٨، ٢٩)، ((نظم الفوائد)) (ل ١٧)، ((المطبوع)) (ص ٢٠)، ((حاشية جامع المتون)) (ص ٨).
(٤) ((صريح السنة)) تحقيق بدر المعتوق (ص ٢٦، ٢٧).
(٥) ((مقدمة في عقيدة الإمام أحمد وأصول مذهبه))، للإمام رزق الله التميمي، مطبوعة في طبقات الحنابلة لأبي يعلى: (٢/ ٢٧٠)، وانظر (٢/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>