للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان أهل السنة والجماعة معتصمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفقهم الله تعالى إلى الحق والصواب، ولم يقعوا في شراك الجهمية كما وقع غيرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد تكلم الإمام أحمد في رده على الجهمية في جواب هذا، وبين أن لفظ (الغير) لم ينطق به الشرع لا نفياً ولا إثباتاً، وحينئذ فلا يلزم أن يكون داخلاً لفظ (الغير) في كلامه الشارع ولا غير داخل ... ، وأيضاً فهو لفظ مجمل، يراد بالغير ما هو منفصل عن الشيء، ويراد بالغير ما ليس هو الشيء. فلهذا لا يطلق القول بأن كلام الله وعلم الله ونحو ذلك هو هو، لأن هذا باطل، ولا يطلق أنه غيره، لئلا يفهم أنه بائن عنه منفصل عنه. وهذا الذي ذكره الإمام أحمد، عليه الحذاق من أئمة السنة، فهؤلاء لا يطلقون أنه هو، ولا يطلقون أنه غيره، ولا يقولون ليس هو هو ولا غيره. فإن هذا أيضاً إثبات قسم ثالث وهو خطأ. ففرق بين ترك إطلاق اللفظين لما في ذلك من الإجمال، وبين نفي مسمى اللفظين مطلقاً، وإثبات معنى ثالث خارج عن مسمى اللفظين" (١).

"والذي عليه سلف الأمة وأئمتها إذا قيل لهم علو الله وكلام الله، هل هو غير الله أم لا؟ لم يطلقوا النفي ولا الإثبات، فإنه إذا قيل لهم غيره أوهم أنه مباين له. وإذا قال ليس غيره أوهم أنه هو، بل يستفصل السائل، فإن أراد بقوله غيره أنه مباين له منفصل عنه، فصفات الموصوف لا تكون مباينة له منفصلة عنه، وإن كان مخلوقاً، فكيف بصفات الخالق؟ وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو فليست الصفة هي الموصوف، فهي غيره بهذا الاعتبار" (٢)."فالواجب أن ينظر في هذا الباب، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي تنازع فيها من ابتدعها من المتأخرين .. ، فلا تطلق نفياً ولا إثباتاً حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان قد أراد بالنفي والإثبات معنى صحيحاً موافقاً لما أخبر به الرسول صوب المعنى الذي قصده بلفظه، ولكن ينبغي أن يعبر عنه بألفاظ النصوص، لا يعدل إلى هذه الألفاظ المبتدعة المجملة إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد بها" (٣).وأما الصفات الثبوتية عند الماتريدية فهي ثمان صفات، وهي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين (٤).

وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم. وأما غيرها من الصفات، فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها.

وسلكوا في الاستدلال على إثبات هذه الصفات طريقتين، وقد يسلكوا أحياناً طرقاً غيرها:

الأولى: التنزيه عن النقائص.


(١) ((الفتاوى)) (١٧/ ١٥٨ - ١٦١).
(٢) ((الجواب الصحيح)) (٢/ ١٥٧).
(٣) ((منهاج السنة))، تحقيق د. محمد رشاد سالم/ (٢/ ٥٥٤)، وانظر: ((الفتاوى)) (١٧/ ١٥٨ - ١٦١)، ((الدرء)) (١/ ٢٨٢، ٣/ ٢٤، ٢٥، ١٠/ ٢٣٢)، ((بغية المرتاد)، ت الدويش (ص ٤٢٦، ٤٢٧)، ((منهاج السنة)) (٢/ ١٦٦، ٥٤٢، ٥٤٣)، (بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٥٠٨)، ((الجواب الصحيح)) (٢/ ١٥٧، ٣/ ٢٠٨، ٢٠٩)، اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٤٢٠، ٤٢١)، ((شرح الأصفهانية)) (ص ٢٠)، ((لوامع الأنوار البهية)) (١/ ٢١٧، ٢١٨).
(٤) انظر: ((إشارات المرام)) (ص ١٠٧، ١١٤)، ((جامع المتون)) (ص ٨ - ١٢)، ((نظم الفرائد)) (ص ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>