للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دل كتاب الله أيضاً على الطريق العقلي الثاني، وهو ثبوت الكمال لله وتنزيه الله عن النقائص. كما في قوله تعالى: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل: ١٧] وقوله: ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [النحل: ٧٥]، وقوله: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل: ٧٦]، وقوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩]، وقوله: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ [الأعراف: ١٤٨] وقول إبراهيم عليه السلام لأبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا [مريم: ٤٢] ومثل هذا كثير في القرآن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الكمال ثابت لله بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى، يستحقه بنفسه المقدسة، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه، فثبوت الحياة يستلزم نفي الموت، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز، وإن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية مع دلالة السمع على ذلك. وثبوت معنى الكمال قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة، دالة على معاني متضمنة لهذا المعنى، فما في القرآن من إثبات الحمد له وتفصيل محامده، وإن له المثل الأعلى، وإثبات معاني أسمائه، ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى" (١)."والمقصود هنا أن نبين أن ثبوت الكمال لله معلوم بالعقل، وأن نقيض ذلك منتف عنه، فإن الاعتماد في الإثبات والنفي على هذه الطريق مستقيم في العقل والشرع" (٢).وقال رحمه الله: "وهذه الطريقة هي من أعظم الطرق في إثبات الصفات وكان السلف يحتجون بها، ويثبتون أن من عبد إلهاً لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، فقد عبد رباً ناقصاً معيباً مؤوفاً، ويثبتون أن هذه كمال، فالخالي عنها ناقص ... " (٣).وإذا تبين لنا هذا، يتبين لنا صحة الطرق العقلية التي استدلت بها الماتريدية على إثبات ما أثبتوه من الصفات. كما يتبين لنا "أن ما جاء به الرسول هو الحق الذي يدل عليه المعقول، وأن أولى الناس بالحق أتبعهم له، وأعظمهم له موافقة وهم سلف الأمة وأئمتها، الذين أثبتوا ما دل عليه الكتاب والسنة من الصفات، ونزهوه عن مماثلة المخلوقات" (٤).

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويماً تصنيف أحمد بن عوض بن داخل اللهيبي الحربي - ص٢١٩

صفة القدرة


(١) ((الفتاوى)) (٦/ ٧١، ٧٢، ٧٥).
(٢) ((الفتاوى)) (٦/ ٧١، ٧٢، ٧٥).
(٣) ((الدرء)) (٢/ ٣٤٠).
(٤) ((الفتاوى)) (٦/ ٨٨)، وانظر: ((الفتاوى)) (١٦/ ٣٥٣، ٣٦٣)، ((الدرء)) (٣/ ١٢٣ - ١٢٥، ١٠/ ١١٣، ٤/ ٦، ٧، ٣٢ - ٣٤)، ((شرح الأصفهانية))، ت السعوي (ص ٣٤٥، ٣٥٩، ٣٧٩ – ٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>