للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قالوا: إنما نفينا الرحمة والرضا والغضب ونحو ذلك من الصفات لأنه لا يعقل لها حقيقة تليق بالخالق إلا الإرادة.

قيل لهم: هذا باطل، فإن نصوص الكتاب والسنة والإجماع مع الأدلة العقلية تبين الفرق، فإن الله سبحانه يقول: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر: ٧]، وقال تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء: ١٠٨]، فبين أنه لا يرضى هذه المحرمات مع أن كل شيء كائن بسببه، وقال تعالى: وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: ٢٠٥].وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام، وبإجماع الأمة، أن الله يحب الإيمان والعمل الصالح، ولا يحب الكفر والفسوق والعصيان، وأنه يرضى هذا ولا يرضى هذا والجميع بمشيئته وقدرته (١).

فعلم بهذا أن ما يجب إثباته لله تعالى من الصفات ليس مقصوراً على ما أثبتته الماتريدية. بل إن الواجب - وهو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها: أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. وهذا هو المنهج الحق الواجب اتباعه والسبيل المستقيم الذي لا أعوجاج فيه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وأما الطرق العقلية التي استدلت بها الماتريدية على إثبات ما أثبتوه من الصفات، فهي ولا ريب صحيحة مستقيمة، فمعرفة الخالق عن طريق التدبر والتفكر في المخلوقات أمر قد حث عليه الله تعالى في كتابه في آيات كثيرة، من ذلك: قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: ١٦٤]، وقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران: ١٠٩]، وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [ق: ٦ - ٨] (٢).قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الفكر فيه أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى، وبوحدانيته، وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه، فبهذا تعرف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته" (٣).


(١) ((شرح الأصفهانية)) (ص ٣٢، ٣٣)، بتصرف، وانظر: ((الفتاوى)) (٣/ ٢٩٩، ٣٠٠).
(٢) انظر: ((تفسير القرطبي)): (٢/ ٢٠١ - ٢٠٣، ٤/ ٣١٠)، ((زاد الميسر))، لابن الجوزي: (١/ ٥٢٦)، ((روح المعاني))، للآلوسي (٢/ ٣٣).
(٣) ((مفتاح دار السعادة)) (ص ٢٠٤)، ((التفسير القيم)) (ص ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>