للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقول على أولي الأمر، والكذب عليهم: لقد دأب أهل الأهواء وأصحاب الفرقة على التقول على أولي الأمر لتأليب الناس ضدهم، ولإعطاء أنفسهم مبررا لخروجهم على الجماعة وعلى إمام المسلمين، فأشعلوا الفتنة وأراقوا دماء المسلمين. ولقد سلك مدبروا الفتنة الخارجون على عثمان رضي الله عنه هذا المسلك فكذبوا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان حينما سرقوا خاتمه وزوروا الكتاب باسمه إلى عامله بمصر يأمره بقتل من رجع عنه من ثوار مصر (١).وزوروا كتابا آخر بلسان علي بن أبي طالب إلى ثوار أهل العراق – الذين شرعوا في المسير نحو ديارهم بعد محاورتهم لعثمان واقتناع أغلبهم – يطلب منهم أن يعودوا إلى المدينة (٢).ولم يكتف هؤلاء الثوار بذلك بل سعوا إلى التقول والكذب على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكتابة كتاب باسمها تأمر الناس فيه بالخروج على عثمان (٣).وبيَّن محب الدين الخطيب أثر التقول على الولاة، وأثر الوشايات الكاذبة في التحريض على الخروج على الإمام، فقال: كان الزاحفون من أمصارهم على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فريقين: رؤساء خادعين على درجات متفاوتة، ومرؤوسين مخدوعين، وهم الكثرة التي يثبت فيها دعايات مغرضة حتى ظنت أن هنالك منفيين مظلومين، ومحرومين سلبوا حقهم (٤).إن حب الدنيا والطمع في الرئاسة يدفع أصحاب الأهواء إلى الكذب على ولاة الأمر، وإلى تزييف الحقائق، وتأويل المواقف، كل ذلك ليحصل مرادهم من تأليب الناس على الولاة، ومن تبرير عداوتهم لهم، فانظر كيف أن بعض بني مروان كان يشيع أن عليا رضي الله عنه لم يكن خليفة راشدا، بل كان ممن ينازع على الملك؟! وكذبوا فيما قالوا (٥).بل دفع حب الدنيا والموالاة والمعاداة فيها إلى سب علي رضي الله عنه، وسب بعض الصحابة الكرام، والدعوة إلى ذلك، والتجاسر على التقول عليهم (٦). فنعوذ بالله من الخذلان، ومن استزلال الشيطان. كما أن من أسباب التقول على الولاة ورؤوس الناس أن هؤلاء الجهال أصحاب الفرقة والضلال إذا سمعوا كلاما مجملا من ولي الأمر زادوا فيه وحملوه ما لا يحتمل، تقول عائشة رضي الله عنها: " يرحم الله عليا، إنه كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله. فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث" (٧).لذلك كان عمر رضي الله عنه يحتاط لنفسه من ذلك، فيقول للناس: " إني قائل مقالة قدر لي أن أقولها، فمن عقلها ورعاها فليحدث بها حتى تنتهي به راحلته، ومن خشي أن لا يعيها فإني لا أحل له أن يكذب علي " (٨).

لقد شرط عمر للنقل عنه: الفهم الصحيح لما قاله، والأمانة في النقل فقال: " فمن عقلها ورعاها، فالتقول على الناس عموما إما أن يكون بسبب عدم فهم ما قيل، وتحميل الكلام ما لا يحتمل، وتأويله على هوى فهم السامع لا على مراد القائل. أو يكون بسبب الخيانة في النقل والكذب فيه، وهذا يفسد كثيرا في أحوال الناس العامة، فما بالك إذا كان هذا المنهج يتبع في النقل عن المسؤولين وولاة الأمر؟!.


(١) انظر ((العواصم من القواصم)) (ص ١٢١)، و ((البداية والنهاية)) لابن كثير (٧/ ١١٧).
(٢) انظر ((العواصم من القواصم)) (ص ١٢٢).
(٣) انظر ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٣/ ٨٢)، ((العواصم من القواصم)) (ص ١٢٣).
(٤) انظر حاشية ((العواصم من القواصم)) له (ص ١٢٠).
(٥) انظر مختصر ((سنن أبي داوود)) للحافظ المنذري (٧/ ٢٧).
(٦) انظر مختصر ((سنن أبي داوود)) للحافظ المنذري (٧/ ٢٨).
(٧) ((المسند)) للإمام أحمد (١/ ٨٦)، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٨٠) تفرد به أحمد وإسناده صحيح.
(٨) انظر ((خلق أفعال العباد)) للبخاري (ص ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>