للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينبغي لكل مسلم أن يتقي الله عز وجل ويعلم أن قوله من عمله، وأن الله سائله عنه يوم القيامة، فيتقي الله فيما ينقل عن الناس عامة، وعن أولي الأمر والمسؤولين خاصة، ولا يكن ديدنه ومحور حديثه: يقولون إنه قيل كذا وكذا، ويزعمون أنه حصل كذا وكذا؟!!.

إن الأمر خطير إن كان كذبا على الأمراء والمسؤولين، فما بالك إذا كان كذبا على العلماء حملة هذا الدين، إن الخطب أشد.

إن الكذب على العلماء، والتقول عليهم يراد به أمران: - الأول: إما أن يراد به التشنيع عليهم والطعن فيهم، والحط من قدرهم بين الناس، وحقيقة هذا الطعن: طعن في الدين، إذ العلماء حملته، وتشكيك في تعاليمه: إذ العلماء الربانيون هم ورثة الأنبياء الحاصلون لواء الدعوة لهذا الدين، القائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا عيبوا ولمزوا وطعن فيهم فهو طعن في علمهم الذي يحملون ويبلغون.

إنها محاولة من أعداء الدين لزعزعة ثقة الناس بالعلماء، ومن ثم فقد المرجعية العلمية في أمور دينهم، ونشر الجهل بذلك بينهم فيسهل تفريقهم وإضعافهم. والثاني: أن يراد بالكذب على العلماء: ترويج القول بالباطن، والتدليس على الناس، ونشر البدعة والضلالة بنسبته إلى إمام مشهور، وعالم موثوق، فلما يسمع الناس أن هذا قول فلان من العلماء يقبلون هذا القول لثقتهم بهذا العالم دون النظر إلى القول نفسه، وبهذا تروج البدعة وتفترق الأمة، وأكثر من يسلك هذا الأسلوب: أصحاب الأهواء والبدع، إذ ينسبون أقوالهم الباطلة للعلماء المشهورين (١).فعلى المسلم أن يتثبت في النقل عن العلماء من مصادرهم وكتبهم، ولا يطير بكل كلمة تقال وتحكى عن عالم أو إمام ويغرر بها، بل عليه أن يتروى ويتثبت (٢).ولعل الخطب الآن في العصر الحديث أشد لنفوذ داء الكذب على العلماء، وسرعة انتشاره، لسرعة وسائل الإعلام الحديثة التي يتابعها عامة المسلمين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف)) (٣).


(١) انظر ((منهج كتابة التاريخ الإسلامي)) لمحمد السلمي (ص ٢٥١).
(٢) انظر كتاب ((الاستقامة)) لابن تيمية (١/ ١٠٩)، ((الفتاوى)) (٢٦/ ٣٣٤)، وانظر أمثلة كذب القدرية على الحسن البصري رحمه اله، مختصر ((سنن أبي داوود)) للمنذري (٧/ ١٦ – ١٧).
(٣) رواه أبو داود (٤٢٦٤) والطبراني في ((الأوسط)) (٨٧١٧) وضعفه الألباني، وقال ابن حجر في ((هداية الرواة)) فيه عبدالرحمن بن البيلماني.

<<  <  ج: ص:  >  >>