للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعطلوا هذه الصفة العظيمة عن مفهومها المعروف عند سلف هذه الأئمة وأئمة السنة، وأتوا ببدعة شنعاء ظلماء أخرى ألا وهي بدعة "الكلام النفسي" وحرفوا نصوص الشرع ونصوص أئمة الإسلام إلى تلك البدعة وصرحوا ببدعة القول بخلق القرآن جهاراً دون حياء. المثال السابع: عطلوا صفة "تكليم الله" لعباده من الرسل والملائكة وغيرهم، وحرفوا نصوصها، وقالوا بأن كلام الله غير مسموع، وأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يسمع كلام الله تعالى، وإنما سمع صوتاً مخلوقاً الشجرة، وهذا عين كلام الجهمية الأولى بل هو كلام النصارى (١).المثال الثامن: عطلوا صفة "نداء الله تعالى" عباده وحرفوا نصوصها بأنها تمثيل لكلام موسى عليه السلام من تلك الجهة (٢).المثال التاسع: صفة "الصوت" لله تعالى، فقد عطلوها، وحرفوا نصوصها إلى أن المراد من الصوت "صوت المخلوق" أو المراد "مخلوق غير قائم به تعالى" (٣).المثال العاشر: صفة "الأذن" بفتح الهمزة وفتح الذال المعجمة - أي "الاستماع" (٤) أعني استماع الله سبحانه إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)) (٥).فحرفوا هذه الصفة العظيمة التي يفرح بها المؤمن وتثير عواطفه وتشوقه فزعموا أنها لا حقيقة لها بل أنها مجاز عن تقريبه تعالى للقارئ، وإجزال ثوابه أو قبول قراءته (٦) ففسروها باللوازم. المثال الحادي عشر: صفة "الصورة" لله تعالى، فقط عطلوها وحرفوا نصوصها إلى "صورة اعتقاد" أو "صورة الأمر" أو "صورة الحال" أو "صورة الملك الذي لا ينبغي لغيره" أو المراد من "الصورة" عظمة الله لا تشبه شيئاً" أو غير ذلك (٧).والكوثري لغلوه في التعطيل وإسرافه في البدعة، وانحرافه عن السنة وأهلها، وأئمتها لم يتمالك نفسه فقدح في حديث "الصورة" ظلماً وعدواناً (٨) مع أنه حديث متفق عليه بين أئمة الإسلام ولاسيما البخاري ومسلم فقد أخرجاه وليس من الأحاديث المنتقدة عليهما حتى جاء هذا الجركسي فطعن فيه فخرق ثوب الحياء، كما خرق إجماع الفضلاء.

وهو من حديث أبي هريرة في حديث طويل فيه قصة رجل هو آخر أهل الجنة دخولاً وفيه: ((فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه)).وفيه: ((فلا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها)) (٩) الحديث.

وفي لفظ: ((فيأيتهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه)).وفيه (( ... حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه ... )) (١٠).وهو من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة الكبرى وفيه: ((فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ... ، فكيشف عن ساقه ... )) (١١).وفي لفظ: (( ... أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورةٍ من التي رأوه فيها ... فيكشف عن ساق ... )) (١٢).


(١) انظر ((شرح العقيدة الأصبهانية)) (ص ٦٥).
(٢) انظر ((إرشاد العقل السليم)) (٥/ ٢٧٠) لأبي السعود الهادي.
(٣) انظر ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٥٢)، وانظر ((تعليق الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص ٢٠٢)
(٤) ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٥٤)، وانظر ((القاموس)) (ص ١٥١٦).
(٥) رواه البخاري (٥٠٢٣) واللفظ له ومسلم (٧٩٢)
(٦) انظر ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٥٤).
(٧) ((عمدة القاري)) (٢٥/ ١٢٥ - ١٢٦)، وانظر ((كتاب التوحيد للماتريدي)) (ص٨٥).
(٨) انظر تعليقاته على ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص ٢٩٢، ٣٤٤ - ٣٤٥).
(٩) رواه البخاري (٦٥٧٣)
(١٠) رواه مسلم (١٨٢)
(١١) رواه البخاري (٧٤٣٩)
(١٢) رواه مسلم (١٨٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>