وأما الماتريدية فربما تخفى على كثير من الناس حقيقة أمرهم وتروج عليهم سلعتهم، حيث لم نطلع على كتاب يكشف الستار عن أسرارهم ويخرج للناس خباياهم من زواياهم، والذي يهمني ههنا أن أذكر بعض الأمثلة لتكون نماذج لخروج الماتريدية على معتقد أهل السنة، وتكون شواهد لما قلنا: إنها كزميلتها (الأشعرية) كلتاهما من تلامذة الجهمية الأولى منشقة عن المعتزلة، تحمل أفكار المرجئة، وإنها فرقة كلامية مبتدعة من فرق أهل القبلة، وليست لها صلة بالإمام أبي حنيفة - رحمه الله - خاصة وبأهل السنة المحضة عامة؛ وذلك لما يأتي من الأمثلة والنماذج والشواهد.
١ - لقد تقدم في الفائدة الثالثة: أن الماتريدية والأشعرية فرقة واحدة، متفقة في المنهج وأصول العقائد، وانهما مخالفتان لبقية الفرق في الأصول مخالفة كبيرة، وعرفت - أيضا - حقيقة الأشعرية، وأنهم من فرق المعطلة الكلامية المبتدعة من أهل القبلة وليست من أهل السنة المحضة بالمعنى الأخص، فهذا - أيضا - حكم على الماتريدية دون شك.
٢ - الماتريدية يثبتون أربعا من الصفات بالاتفاق وهي الحياة والعلم، والقدرة، والإرادة، ولهم خلاف في إثبات السمع والبصر، ويزيدون صفة أخرى يسمونها التكوين وهو مرجع جميع صفات الأفعال المتعدية، وهم لا يعدون الصفات الفعلية صفات حقيقة، وهذا المذهب يتضمن التعطيل لكثير من الصفات.
أما صفة الكلام، فلا يؤمنون بها بل عطلوها وحرفوا نصوصها، وهم والأشعرية والمعتزلة والجهمية الأولى متفقون على خلق القرآن الكريم. لا نزاع بينهم فيه قط، غير أن الماتريدية والأشعرية زادوا بدعة أخرى وهي القول بالكلام النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت، والذي لا يقره عقل ولا نقل.
أما بقية الصفات من العلو واليدين والعين والوجه والساق والاستواء والنزول والغضب والرضى والحياء وغيرها فيعطلونها، ويحرفون نصوصها فهذه العقائد ليست لها أية صلة بالسلف عامة وبالإمام أبي حنيفة خاصة.
٣ - من المعلوم عند الموافق والمخالف أن السلف لم يسلكوا بدعة التأويل في الصفات وهذا باعتراف الماتريدية - أيضا - ولذلك يقولون قولا زورا على السلف: إنهم كانوا مفوضة.
أما الماتريدية فهم مؤولة، وهم يثنون على طريقة التأويل، ويقولون: إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم. فهم بإقرارهم واعترافهم مخالفون لمنهج السلف الصالح فكيف يدعون أنهم أهل السنة؟
٤ - سبحان الله! كيف تكون الماتريدية أهل السنة أتباع الإمام أبي حنيفة؟، وأبو حنيفة - رحمه الله - يثبت العلو لله تعالى بل يكفرمن أنكر ذلك، بل من شك في ذلك ويستدل على ذلك بدليل الفطرة، والنقل وهو حديث الجارية -، والعقل؛ أما الماتريدي والماتريدية فينكرون علو الله تعالى؛ وينابذون العقل والنقل والفطرة والإجماع في آن واحد فيقولون: إن الله لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصل به، ولا منفصل عنه، ولا فوق، ولا تحت. ويقولون في دليل الفطرة الذي استدل به الإمام أبو حنيفة: (إن هذا الدليل دليل غلاة الروافض واليهود والكرامية وجميع المشبهة). فجعلوا الإمام أبا حنيفة من الروافض، واليهود والمشبهة من حيث لا يشعرون.
٥ - الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - يثبت لله الوجه، واليد والنفس وغيرها من الصفات، ويصرح بأن تأويلها تعطيل لها، وهو مذهب أهل القدر والاعتزال؛ لكن الماتريدي والماتريدية خالفوا إمامهم واختاروا مذهب أهل القدر والاعتزال فعطلوا تلك الصفات، وحرفوا نصوصها.
٦ - الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - يثبت لله تعالى صفتي الغضب والرضى، ولكن الماتريدية يعطلون ذلك، ويحرفون نصوصهما.