للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧ - الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - صرح بأن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى؛ أما الماتريدي والماتريدية فينفون ذلك، ويقولون إنما سمع صوتا مخلوقا بحروف مخلوقة.

٨ - الماتريدي والماتريدية من المرجئة، لأن الإيمان عندهم هو التصديق فقط، والإقرار والأعمال خارجان عن الإيمان، ولا يزيد الإيمان ولا ينقص عندهم، غير أن الإقرار باللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا فقط، فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن ناج عند الله.

فأنت ترى أن هؤلاء من غلاة المرجئة، وليسوا في شيء من عقيدة السلف في هذا، وبعد هذا كله كيف تصح دعوى الماتريدية والأشعرية أنهم يمثلون أهل السنة؟! وكيف يصح زعم الشيخ الفنجفيري.

٩ - كيف لا؟ وهم يعدون العقيدة السلفية السنية عقيدة وثنية وتشبيه وتجسيم وشرك وكفر، وأهلها وثنية مشبهة، مجسمة. وحشوية.

نعم، هم يلتقون بأهل السنة في باب الخلافة وذكر الصحابة - رضي الله عنهم - بخير، وما يسمونه السمعيات، وما يثبتونه من بعض الصفات، والقدر، وغير ذلك. فهم أهل السنة في مقابلة الروافض والخوارج، أما أهل السنة المحضة فلا.

لأن لفظ (أهل السنة) يطلق اصطلاحا على معنيين: معنى عام، ومعنى خاص. فبالنسبة إلى معناه العام - يدخل فيه كثير من الفرق المبتدعة، وأما المعنى الخاص - فلا يدخل فيه إلا أهل السنة المحضة، وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال شيخ الإسلام: (فلفظ أهل السنة يراد بن من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك - معنى أهل السنة - جميع الطوائف إلا الرافضة؛ وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة) (١).فبالنظر إلى المعنى العام يدخل في (أهل السنة) الكرامية المشهبة أيضا، لأنهم ممن يقول بخلافة الخلفاء الثلاثة (٢).

بل أقول: إنه يصح إطلاق (الجهمية) على الماتريدية أيضا بمعنى أنهم معطلة؛ لأن الجهمية تطلق ويراد بها المعطلة سواء كانت الجهمية الأولى، أو المعتزلة، أو الأشعرية، أو الماتريدية، أو غيرهم ويشهد لذلك تصريح كثير من الأئمة الأعلام: ١ - قال الإمام يزيد بن هارون: (من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة - يعني أنكر الاستواء أو أوله - فهو جهمي) (٣).٢ - وقال شيخ الإسلام: (فإن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات، وقال: إن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة - جهميا) (٤).

٣ - لذلك نرى شيخ الإسلام يطلق كلمة (الجهمية) على الأشعرية.

وقد ذكر شيخ الإسلام للجهمية ثلاث درجات فعد الكلابية والأشعرية ولاسيما المتأخرين منهم من الثالثة. ٤ - والحافظ ابن حجر قال: (الجهمية من ينفي صفات الله تعالى التي أثبتها الكتاب والسنة، ويقول: إن القرآن مخلوق) (٥).

٥ - قلت: بناء على عقيدة الماتريدية في الصفات وأقوال هؤلاء الأعلام يجوز أن يطلق عليهم كلمة (الجهمية) كما يجوز أن نطلق عليهم كلمة (المعطلة)، وعلى كل حال هم ليسوا بأهل السنة المحضة.


(١) ((منهاج السنة)): (١/ ٢٠٤)، الطبعة القديمة و: (٢/ ٢٢١)، الطبعة المحققة.
(٢) ((منهاج السنة)): (١/ ٢٠٣)، الطبعة القديمة و: (٢/ ٢٢١)، الطبعة المحققة.
(٣) رواه أبو داود في ((مسائل الإمام أحمد)): (٢٦٨ – ٢٦٩)، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)): (١/ ١٢٣)، وذكره البخاري تعليقا بالجزم في ((خلق أفعال العباد)): (٢٤).
(٤) ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (٣/ ٤٢٧).
(٥) ((هدي الساري)): (٤٥٩)، ونقله محمد عوامة في تعليقاته على ((تقريب التهذيب)): (٧٤)، وأقره.

<<  <  ج: ص:  >  >>