فواعجبا من الفنجفيرية كيف تجعل الماتريدية والأشعرية من أهل السنة حيث قال أحد أئمتها الشيخ الرستمي في (تنشيطه): ٣٥٠ " فهذا الفريق (يعني الخلف) لا يخرج عن أهل السنة "!؟
وهذا من قلب الحقائق وتسمية الزاهق بالفائق
إن البغاث بأرضنا يستنسر والطين في أيامنا ليستحجر
في بيان الفروق، والمسائل الخلافية بين الماتريدية والأشعرية:
أولا: من الناحية المذهبية الفقهية:
لقد بذلت كثيرا من جهدي فوصلت إلى أن الماتريدية كلهم حنفية المذهب بل المراد من الحنفية على الإطلاق في علم الكلام هم الماتريدية فحسب. ولا أعرف أحدا من المالكية والشافعية والحنابلة أن يكون ماتريديا، كما لا أعرف أحدا من الحنفية أن يكون أشعريا إلا أبا جعفر محمد بن أحمد السمناني (٤٤٤هـ) فقد كان عراقي المذهب أشعري الاعتقاد. وكان تلميذا للباقلاني (٤٠٣هـ) في علم الكلام، فكان الباقلاني يمازحه ويقول: (إنه مؤمن آل فرعون) يعني: أنه الأشعري الوحيد بين الحنفية. وأما ما صرح به الحنفية الديوبندية من أنهم ماتريدية وأشعرية فيعنون به اتفاق الفريقين في أصول العقيدة، وإلا فهم حنفية أصلاب، ماتريدية أجلاد.
أما الأشعرية فكثير منهم شافعية لأسباب، منها: أن الإمام أبا الحسن الأشعري كان شافعيا - كما هو الحق الذي لا مرية فيه - ولم يكن حنفيا - كما زعمه الكوثري وغيره من الحنفية - كما لم يكن مالكيا أيضا - كما زعمه بعض المالكية.
أما المالكية، فلم يعرف أحد منهم أشعريا قبل فتنة ابن تومرت (٥٢٤هـ) الذي فعل الأفاعيل وارتكب الأباطيل، وهتك الأعراض، وسفك الدماء، ونشر العقيدة الجهمية بسلطان السيف والسنان لا بسلطان الحجة والبرهان، والذي أسس دولة الموحدين على طريقة الجهمية والاتحادية والمتفلسفة من نفاة الصفات.
وأما الحنابلة، فلم يعرف فيهم أحد أشعريا؛ مع وقوع بعض الحنابلة في التفويض والتأويل؛ فهذا ابن الجوزي - مع انحرافه عن العقيدة السلفية في باب الصفات - عدو لدود للأشعري والأشعرية.
وقد ظهر بما تقدم بطلان زعم الكوثري: (فالمالكية كافة وثلاثة أرباع الشافعية، وثلث الحنفية، وقسم من الحنابلة، على هذه الطريقة من الكلام من عهد الباقلاني، والثلثان من الحنفية على الطريقة الماتريدية.). كما بطل زعم التاج السبكي: (أن الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون. .).
ويدل على إبطال هذه المزاعم - أن في الحنفية فرقا أخرى كالحنفية الكاملة، والحنفية الجهمية الأولى، والحنفية المعتزلة، والحنفية المرجئة، والحنفية الكرامية، والحنفية الشيعية، والحنفية الزيدية حتى باعتراف الحنفية الماتريدية؛ فالحنفية الماتريدية نزر قليل بالنسبة إلى باقية فرق الحنفية، وهكذا حال الأشعرية؛ لأن العقيدة الأشعرية لم تكن معروفة حتى في العراق قبل سنة (٣٨٠هـ) ثم انتقلت من العراق إلى الشام ومصر بقوة السلطان لا بقوة البرهان، فقد أجبر ملوك بني أيوب أيام دولتهم كافة الناس على العقيدة الأشعرية، فتمادى الحال على ذلك جميع أيام دولتهم ثم أيام مواليهم الملوك من الأتراك.
ثانيا: من الناحية الجغرافية:
لقد تقدم أن ذكرنا أن الماتريدية انتشرت في بلاد الهند وما جاورها من البلاد الشرقية كالصين وبنغلاديش وباكستان وأفغانستان. كما انتشرت في بلاد تركيا والروم وفارس وبلاد ما وراء النهر وتونس حسب انتشار الحنفية وسلطانهم.