للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: أنه تبين مما سبق أن الماتريدية لا يرون الاستثناء في الإيمان والأشعرية يرونه لكن مذهب الماتريدية أوفق بأصلهم وهو أن الإيمان هو التصديق وأنه لا يزيد ولا ينقص وإن كان أصلهم وفرعهم كلاهما باطلا خلاف مذهب السلف. أما الأشعرية فقد وقعوا في تناقض واضح حيث نصروا مذهب السلف في الاستثناء مع مناصرتهم لمذهب الجهمية في الإيمان كما صرح شيخ الإسلام بتناقضهم (١).

الرابعة: بيان الحق في مسألة الاستثناء:

الحق في هذا الباب الاستثناء في الإيمان لأجل أن الإيمان يتضمن فعل الواجبات فلا يشهد الرجل لنفسه بذلك كما لا يشهد لها بالبر والتقوى فإن ذلك لا يعلمه بل هو تزكية للنفس بلا علم. وهذا هو مذهب السلف أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه والثوري وابن عيينة وأكثر علماء الكوفة ويحيى بن سعيد القطان فيما يرويه عن علماء البصرة وأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة فكانوا يستثنون في الإيمان وهذا متواتر عنهم (٢).وهذا هو المذهب الوسط العدل وأصح من بين قول من يوجبه وبين قول من يحرمه (٣). وللعلامة المعلمي كلام في غاية من الأهمية فراجعه.

المسألة الثانية: السعيد هل يشقى؟ والشقي هل يسعد أم لا؟

فالأول مذهب الماتريدية، والثاني مذهب الأشعرية. والخلاف في الحقيقة لفظي لأنه إن كان المراد من السعادة ما كتب في أم الكتاب فلا تغير فيه وإن كان المراد منها ما ينوط بعمل ابن آدم فالشقي قد يسعد والسعيد قد يشقى والكافر قد يسلم والمسلم قد يرتد والعياذ بالله (٤).ولكن ذكر شيخ زاده أن الأشاعرة قالوا: إن أبا بكر وعمر وسحرة فرعون كانوا مؤمنين قبل إسلامهم (٥).

قلت: إن صح هذا النقل عن الأشعرية فالخلاف حقيقي ويكون ذلك من حماقات الأشعرية. وذكر ابن فورك عن الأشعري والأشعرية أن الله تعالى لم يزل راضيا عمن يعلم أنه يموت على الإيمان وساخطا على من يعلم أنه يموت على الكفر (٦).

المسألة الثالثة:

هل الكافر ينعم عليه أم لا؟

هذه المسألة ذكرها أبو عذبة في عداد المسائل التي فيها خلاف لفظي بين الفريقين وقال: (قال الأشعري: الكافر لا ينعم عليه لا في الدنيا ولا في الآخرة وإن ما أعطاهم الله من الملاذ فهو على سبيل الاستدراج.

وقال القاضي أبو بكر ينعم عليه نعمة دنيوية. وقالت القدرية: ينعم عليه نعمة دنيوية ودينية (٧).ثم قال أبو عذبة: (وعند التحقيق يرجع الخلاف إلى نزاع لفظي) (٨).قلت: لم يذكر أبو عذبة في هذه المسألة شيئا عن الماتريدية نفيا أو إثباتا لكن مذهب الماتريدية أن الكافر منعم عليه في الدنيا (٩).

بيان الحق في هذه المسألة:

الحق هو قول الماتريدية إن لم يجعل الخلاف لفظيا.


(١) انظر ((كتاب الإيمان)) (ص: ٤١٩) وضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٣٨ - ٤٣٩).
(٢) انظر ((كتاب الإيمان)) (١١٥، ٤١٦) وضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٢٠، ٤٣٥)
(٣) انظر ((الفرقان بين الحق والباطل)) (ص: ٢٧) وضمن ((مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٤٠ – ٤١) و ((كتاب الإيمان)) (ص: ٤١٠) وضمن ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٢٩) وراجع مجرد مقالات الأشعري لابن فورك (ص: ١٦٢) ..
(٤) ((الروضة البهية)) (٨ - ١١) و ((نظم الفريد)) (٤٧ - ٤٨).
(٥) ((التنكيل)) (٢/ ٣٧٣ - ٣٧٨).
(٦) انظر ((نظم الفريد)) (ص: ٤٧)
(٧) ((الروضة البهية)) (١١ - ١٣) وراجع ((طبقات الشافعية)) للسبكي (٣/ ٣٨٤).
(٨) ((الروضة البهية)) (ص: ١٢) وصرح به الملا علي القاري في ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: ١١٠).
(٩) ((المسايرة مع المسامرة)) (١٦٥ – ١٦٧) ((إشارات المرام)) (ص: ٥٦) ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: ١٩٠) ((شرح الإحياء)) للزبيدي (٢/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>