للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجوزه الأشعرية ومنعه الماتريدية. ثم جعل السبكي وأبو عذبة هذا الخلاف لفظيا بمعنى أن هذا القائل إن أراد حسن الخاتمة والتفاؤل والتبرك فيجوز له الاستثناء وإن كان للشك فلا يجوز (١).قلت: ما ذهب إليه السبكي وأبو عذبة من أن هذا الخلاف لفظي غير صواب لأن الاستثناء في الإيمان لأجل الشك غير جائز بالاتفاق فهذا ليس محلا للخلاف وإنما بين الفريقين هو في الاستثناء لإحالة الأمور إلى مشيئة الله تعالى أو لقصد حسن الخاتمة أو للتأدب أو للتبرك أو للتبرئ عن التزكية (٢). وقد صرح ابن الهمام بأنه لا خلاف في عدم جواز الاستثناء في الإيمان لأجل الشك في ثبوته فإنه كفر وأما إذا لم يكن للشك فمنعه الأكثرون منهم أبو حنيفة وأصحابه وإنما يقال أنا مؤمن حقا لأن ترك الاستثناء أبعد عن التهمة فكان تركه واجبا وأجازه كثير منهم الشافعي وأصحابه (٣).قلت: كان الواجب أن تذكر هذه المسألة فيما فيه خلاف معنوي ولذلك نرى أبا منصور الماتريدي والماتريدية بعده يمنعون الاستثناء في الإيمان ويتشبثون بشبهات منها أن الاستثناء يفسخ العقود ويمنع مضيه (٤). فما قاله التقي السبكي من أن أبا منصور الماتريدي مع الأشاعرة في جواز الاستثناء في الإيمان (٥). - غير صحيح لأن نصوص الماتريدي والماتريدية صريحة في المنع.

وقد تهور الشيخ أبو بكر محمد بن محمد الفضل الفضلي الكماري البخاري (٣٨١) فقال (من قال أنا مؤمن إن شاء الله - فهو كافر لا تجوز المناكحة معه) ومثله في الغلو قول الشيخ أبي حفص السفكردري وبعض أئمة خوارزم من الحنفية (لا ينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجل شافعي المذهب ولكن يتزوج من الشافعية تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب بحجة أن الشافعية يرون جواز الاستثناء في الإيمان وهو كفر (٦).

قلت لي أربع وقفات حول مسألة الاستثناء في الإيمان

الأولى: تهور بعض الحنفية في التكفير وعدم جواز المناكحة لأجل الاستثناء فقد كفانا شرها كثير من الحنفية أنفسهم. فقد قال الفريهاري (وقد بالغ بعض الحنفية في المنع حتى قال الفضلي: لا يجوز نكاح المرأة الشافعية لأنهم كفروا بالاستثناء وهذه جرأة عظيمة وتعصب لا يرضاه الحق سبحانه) (٧).الثانية: ادعاء الحنفية ومنهم ابن الهمام أن الأكثر لا يرون الاستثناء فقد رد هذه الدعوى ابن أبي شريف وعارض شيخه ابن الهمام فقال (إن القول بالاستثناء قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والشافعية والمالكية والحنابلة والكلابية والأشعرية) (٨).قلت: هذا هو الحق المتواتر عن السلف (٩).


(١) ((طبقات الشافعية)) للسبكي (٣/ ٣٨٣) ((الروضة البهية)) (٦ - ٨).
(٢) ((شرح العقائد النسفية)) (ص: ١٣٠) و ((النبراس)) (ص: ٤١٩ - ٤٢٠) وانظر ((إشارات المرام)) (٢ - ٥).
(٣) انظر ((المسامرة)) (٣٨١ - ٣٨٥) و ((البحر الرائق)) (٢/ ٤٦) ((السواد الأعظم)) (٢ - ٥).
(٤) ((انظر ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (٣٨٨ - ٣٩٢) و ((تأويلات أهل السنة)) (١/ ٣١٠) و ((البداية)) للصابوني (ص: ١٥٥) ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (٢٠٨ – ٢١٢) و ((نظم الفرائد)) (٤٨ – ٤٩) و ((التمهيد)) (٢٨/أ) لأبي المعين النسفي، والمراجع السابقة أيضا.
(٥) ((طبقات الشافعية)) (٣/ ٣٨٤).
(٦) راجع ((الفتاوى البزازية)) على هامش ((الفتاوى الهندية)) (٤/ ١١٢) و ((البحر الرائق)) (٢/ ٤٦، ٣/ ١٠٣).
(٧) ((الفتاوى البزازية على هامش الفتاوى الهندية)) (٤/ ١١٢) و ((البحر الرائق)) (٢/ ٤٦) (٣/ ١٠٣).
(٨) ((النبراس)) (ص: ٤٢٠).
(٩) ((المسامرة)) (ص: ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>