للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن عامة أحاديث الصفات ليست أخبار آحادٍ - كما يزعم من لم يجمع طرفها ولم يعش معها، لأن أحاديث الصفات إما متواترة لفظاً ومعنى، أو معنى فقط، أو مشهورة، فلا يصح زعمهم: "أنها أخبار آحادٍ وهي ظنية لا تثبت بها العقيدة". لأنها ليست أخبار آحادٍ باصطلاح الحنفية الماتريدية واعترافهم بل هي فوق أخبار الآحاد في المنزلة وإفادة العلم، فقد صرحوا بأن المتواتر يوجب اليقين بلا شكٍ عندهم، وأما المشهور فيوجب علم الطمأنينة؛ فيجوز الزيادة به على كتاب الله عندهم، والمشهور في حيز المتواتر، بل قد صرح الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي بأن المشهور قسم من المتواتر؛.فقد صرح الحنفية بأن حديث الرجم وأحاديث المسح على الخفين، ونحوها مما كان أخبار الآحاد في القرن الأول ثم اشتهر فصار من المشهور في القرن الثاني والثالث (١) ومثل هذا يثبت به العقيدة حتى باعترافهم هم وشهادتهم بلسانهم وبنانهم. فقد قال الإمام شمس الأئمة السرخسي الحنفي رحمه الله (٤٩٠هـ): "فأما الآثار المروية في عذاب القبر، ونحوها فبعضها مشهورة، وبعضها آحاد وهي توجب عقد القلب ... " (٢).ومثله بنصه قوله الإمام صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود الحنفي (٧٤٧هـ): "فيكفي له خبر الواحد وفي هذا نظر لأنه يجب أن لا يختص هذا بأحكام الآخرة بل يكون كل الاعتقاديات كذلك" (٣).

ثم لم يجب عن هذا الإشكال وهذا يدل على أنهم عملوا قوة هذه الأخبار ولو كانت أخبار آحاد.

الحاصل: أنه لما أنه لما كان غالب أحاديث الصفات إما متواتراً لفظاً ومعنى أو معنى فقط، أو مشهوراً - وهذه الأنواع أعلى مرتبة من أخبار الآحاد؛ فالمتواتر يفيد العلم القطعي اليقيني، والمشهور يفيد علم الطمأنينة، وكلا النوعين تثبت به العقيدة عند الحنفية الماتريدية - لم يصح دعواهم حول أحاديث الصفات أنها ظنية بحجة أنها أخبار الآحاد؛ فإن دعواهم بهذا الإطلاق والعموم منهدمة على عروشها منهارة على أسسها، وهذا واضح جداً، فدعواهم هذه كما تدل على استخفافهم بالنصوص وتقديم العقول الفاسدة عليها، كذلك تدل على جهلهم بالنصوص وبعدهم عنها؛ لأن أحاديث الصفات ليست كلها أخبار آحاد بل غالبها متواتر.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

"والأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية العلمية أربعة أقسام:

أحدها: متواتر لفظاً ومعنى.

والثاني: أخبار متواترة معنى، وإن لم تتواتر بلفظ واحد.

والثالث: أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة.


(١) ((مختصر الحسامي مع شرحه للمولوي)) (ص ٢٨٨)، و ((المغني للخبازي)) (ص ١٩٣)، و ((المنار مع شرحه كشف الأسرار)) كلاهما لحافظ الدين النسفي (٢/ ٣).
(٢) ((أصول السرخسي)) (١/ ٣٢٩).
(٣) ((التوضيح شرح التنقيح)) كلاهما لصدر الشريعة (٢/ ٤) مع تلويح التفتازاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>