للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إن فيهما أخباراً آحاداً، وقد تقرر في الأصول أنها لا تفيد غير الظن.

قلت: لا ضير؛ فإن هذا باعتبار الأصل، وذاك بعد احتفاف القرائن، واعتضاد الطرق فلا يحصل القطع إلا لأصحاب الفن الذي يسر لهم الله سبحانه التمييز بين الفضة، والقضة ورزقهم علماً من أحوال الرواة، والجرح والتعديل، فإنهم إذا مروا على حديث وتتبعوا طرقه، وفتشوا رجاله، وعلموا حال إسناده - يحصل لهم القطع، وإن لم يحصل لمن لم يكن له بصر ولا بصيرة .. ؛

ألا ترى أن الواحد جليل القدر إذا أخبرك بأمر، فنظرت إلى حاله وثقته، وعلمه ودينه - أيقنت بخبره كفلق الصبح، ولا يبقى في نفسك قلق، واضطراب، وكفاك جماعة؛ فإن واحداً قد يزن جماعة بل يرجحهم، والآخر كريشة طائر لا يوازي جناح بعوضة، وإن إبراهيم كان أمة قانتاً، ومن أمته من يجيء يوم القيامة أمة وحده.

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد

... ، ولما كان هذا أمراً لا يسع إنكاره لأحد - جعل الحافظ هذا النزاع راجعاً إلى النزاع اللفظي، فلم يبق في نفس إفادة القطع خلاف، ولا شقاق، وإنما هو في أن تلك الإفادة بديهية، أو نظرية فمن ذهب إلى أنها تفيد القطع أراد به النظري، ومن أنكرها أراد به الضروري. وهذا، فإنه تحقيق حقق بالقبول، ومن حاد عنه فقد عدل عن المسلك القويم" (١).

قلت: نص العلامة الكشميري هذا يستأصل مزاعم الماتريدية ولا سيما الكوثرية والديوبندية منهم.

٢٥ - والكوثري مجدد الماتريدية وإمامهم في وقته (١٣٧١هـ)، فقد اعترف في صدد إثبات نزول عيسى عليه السلام بأن أحاديث (الصحيحين) تفيد القطع. وهذا حجة عليه، وعلى الماتريدية في باب الصفات.٢٦ - ومحدث مصر، العلامة أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر (١٣٧٧هـ) (٢).٢٧ - والعلامة محمد إسماعيل السلفي (١٣٨٧هـ) فله خدمة مشكور عليها في هذا الباب (٣).٢٨ - والدكتور خليل ملا خاطر "من المعاصرين" له عمل عظيم في الذب عن مكانة (الصحيحين)، وله بحث قيم في إفادة أحاديث (الصحيحين) القطع (٤) وهذا الكتاب عديم النظير لقلع نسج متعصبة الحنفية.

قلت: الحاصل أن أحاديث (الصحيحين) تفيد العلم القطعي بشهادة من ذكرنا وفيهم كبار أعيان الحنفية الماتريدية الديوبندية منهم، والكوثرية، وغيرهم.

بل ثبت بلسان الحافظ ابن حجر، والعلامة الكشميري الديوبندي أن هذه المسألة لا خلاف فيها: فمن أثبت العلم القطعي - أراد النظري، ومن نفى ذلك أراد البديهي ولم ينف النظري.

تنبيه مهم:

لقد تبين مما سبق من علو مكانة (الصحيحين) وأن أحاديثهما تفيد القطع، وأنها أصح الصحاح.


(١) ((مقدمة فيض الباري)) (١/ ٤٥ - ٤٦) وأقره تلميذه البنوري الكوثري.
(٢) ((الباعث الحثيث)) (ص ٣٥ - ٣٧)، ((شرح ألفية السيوطي)) (ص ٤ - ٥).
(٣) ((موقف الجماعة الإسلامية المودودية من الأحاديث النبوية)) (ص ٨٩ - ١٠٣).
(٤) ((مكانة الصحيحين)) (ص ١٣٥ - ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>