للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تقرر هذا علم أن أحاديث (الصحيحين) مقدمة على غيرها عند التعارض ولا أعلم في هذا خلافاً لأحد إلا لمتأخري الحنفية، فقد قالوا عدم ترجيح أحاديث (الصحيحين) عند التعارض على غيرها، وذلك لأنهم يعلمون جيداً أن مذهبهم مخالف لكثير من أحاديث (الصحيحين)، فوضعوا هذا الأصل ليخرجوا بهذا عن هذا المضيق؛ فقالوا: لا ترجيح لأحاديث (الصحيحين) عند التعارض بل - يجوز أن يقدم حديث آخر على حديث (الصحيحين).وأول من وضع هذا الأصل - فيما أعلم- من الحنفية هو الإمام ابن الهمام (٨٦١هـ) ثم تابعه الحنفية، ولا سيما الديوبندية منهم، والكوثرية (١).قلت: وهذا الأصل الفاسد مبني على أصلهم الآخر أفسد منه، وهو: أن للحنفية أصولاً وقواعد في تصحيح الحديث وتضعيفه، كما أن للمحدثين قواعد، فرب حديث ضعيف عند المحدثين صحيح عند الحنفية، وبالعكس فلا لوم على الحنفية إذا خالفوا بعض الأحاديث (٢).قلت: هذا الذي عرضناه من مكانة أحاديث (الصحيحين)، وأنها مما احتف بالقرائن، وأنها تلقتها الأمة بالقبول، وأنها تفيد العلم القطعي اليقيني - على لسان كبار أئمة الحنفية، وغيرهم - يقطع دابر هذا الأصل الفاسد، ولقد تصدى للرد على هذا الأصل المحدث المباركفوري (١٢٥٣هـ) (٣).

قلت: ويكفي لرد مزاعمهم في تقديم حديث خارج (الصحيحين) على أحاديثهما ورد أحاديث (الصحيحين) بذلك دفاعاً عن مذهبهم - ما قاله الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني الملقب بركن الدين (٤١٨):

"أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها (الصحيحان) مقطوع بصحة أصولها، ومتونها ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها، ورواتها".قال: "فمن خالف حكمه خبراً منها، وليس له تأويل سائغ للخبر نقضنا حكمه، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول" (٤).قلت: لكثير من متعصبة الحنفية موقف مذموم من (الصحيحين) وفي قلوبهم حزازة منهما يبدو أثرها بين حين وآخر، وما تخفي صدورهم أكبر؛ ولكن كتابي (الدراسات) و (المكانة) قضاء عليهم (٥).


(١) انظر ((فتح القدير)) (١/ ٤٥٤)، ((التحرير)) (٣/ ٣٠)، كلاهما لابن الهمام، ((التقرير والتحبير شرح التحرير)) لابن أمير الحاج (٣/ ٣٠)، ((تيسير التحرير)) لأمير باد شاه (٣/ ١٦٦)، ((التعليقات المهمة)) للكوثري: ((على شروط الأئمة)) للمقدسي، والحازمي (ص ٤٩ - ٥٠، ٧٠ - ٧١)، و ((مقدمة إعلاء السنن)) (١/ ٤١)، و ((قواعد في علوم الحديث)) لظفر أحمد العثماني الديوبندي، و ((تعليقات أبي غدة الكوثري عليها)) (ص ٦٤ - ٦٦)، و ((مقدمة أوجز المسالك)) للشيخ زكريا الديوبندي شيخ جماعة التبليغ (١/ ١٣٧ - ١٣٨). قلت: لقد وفق الله تعالى العلامة محمد معين السندي الحنفي "١١٦١هـ" صاحب الإمام ولي الله الدهلوي الحنفي "١١٧٦هـ" فوقف لهم بالمرصاد، وجعل مقالتهم هذه كأن لم تغن بالأمس انظر ((دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب، الدراسة الحادية عشرة)) (ص ٣٢٨ - ٢٠٤).
(٢) انظر ((قواعد أصول الحديث)) (ص٢٠، ٤٦١)، و ((مقدمة إعلاء السنن)) (١/ ١٧، ٢٨٤)، لظفر أحمد العثماني الديوبندي، تحقيق وتعليق أبي غدة الكوثري، وانظر أيضاً ((التعليقات المهمة للكوثري على شروط الأئمة)) (ص ٧٠).
(٣) انظر ((مقدمة تحفة الأحوذي)) (١/ ٣١٠ - ٣٢٢).
(٤) ((فتح المغيث)) (١/ ٥١)، عنه.
(٥) انظر على سبيل المثال: ((الجواهر المضية)) (٤/ ٥٦٤ - ٥٧٠) ((التعليقات المهمة للكوثري على شروط الأئمة)) (ص ٦٩ - ٧٥) و ((مقالاته)) (ص ٨٤)، و ((قواعد في علوم الحديث)) (ص ٤٦٣ - ٤٦٨)، و ((مقدمة إعلان السنن)) (١/ ٢٨٥ - ٢٨) كلاهما لظفر أحمد الديوبندي، تحقيق وتعليق أبي غدة الكوثري و ((مقدمة تنسيق النظام)) (ص ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>