للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٣ - وللإمام ابن أبي العز الحنفي (٧٩٢هـ) بحث قيم في الأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة، وأن الخبر المتلقى بالقبول من قسم المتواتر، وأنه لا نزاع فيه عند السلف (١).

٣٤ - الشيخ أبو غدة الكوثري، فقد نقل عن الإمام الشافعي، والسخاوي: أن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ به المقطوع (٢).

قلت: إذا كان الحديث الضعيف يرتفع إلى منزلة المتواتر بمجرد التلقي فما ظنك بأحاديث الصفات المتواترة، والمشهورة والمتفق عليها، المتلقاة بالقبول، المحتفة بالقرائن؟ وفي هذا كله عبرة للماتريدية أيما عبرة.

خاتمة هذا الوجه:

٣٥ - لما كان الكوثري يعدّ إماماً للماتريدية؛ بل مجدداً لهم في وقته، ولاسيما للكوثرية منهم، والديوبندية أردت أن أختم هذا الوجه بنصوص الكوثري التي اعترف فيها بالحق لما رأى وسمع أن أعداء الإسلام احتجوا بقاعدة المتكلمين - من أن خبر الواحد ظني لا يثبت به العقيدة- على إنكار نزول عيسى عليه السلام (٣).

فتصدى لهم الكوثري، وألف في الرد عليهم كتاباً بعنوان (نظرة عابرة) أجاد فيه وأفاد، ورد على تلك القاعدة الفاسدة للمتكلمين من أن أخبار الآحاد لا تفيد اليقين، ولا تثبت بها العقيدة - ولكن هذا الكتاب كله حجة عليه، وعلى الماتريدية في باب الصفات وهذا تناقض.

وهذه بعض نصوص الكوثري: (من قال: "إن خبر الآحاد لا يفيد العلم" يريد خبر الآحاد من حيث هو بالنظر إلى رأي جماعة، وإلا فخبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول، يقطع بصدقه، كما نص على ذلك أبو المظفر السمعاني في (القواطع) (٤)؛

وقد حكى السخاوي في (فتح المغيث) عن جماعة من المحققين إفادة خبر الآحاد العلم عند احتفافه بالقرآن، بل قال جماعة: إن ما اتفق عليه البخاري ومسلم يفيد - في غير مواضع النقد منه - العلم؛ لاحتفافه بالقرائن، ومنهم الغزالي).وقال: "وأين اجتماع نصوص العلماء مع قول أمثال أبي حامد الأسفراييني، وأبي إسحاق الأسفراييني، والقاضي أبي الطيب، وابي إسحاق الشيرازي، وشمس الأئمة السرخسي، والقاضي عبدالوهاب، ورواية ابن خويز منداد عن مالك، وقول أبي يعلى وأبي الخطاب، وابن الزاغوني، وابن فورك، وغيرهم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، وفي الخبر المحتف بالقرائن" (٥).وقال: (بل جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له، أو عملاً به أنه يوجب العلم كما تجد تفصيل ذلك في (توجيه النظر) في ص: ١٣٤" (٦).

قلت: كلام الكوثري هذا حق لا ريب فيه غير أنه لم يقتصر على مسألة "نزول عيسى عليه السلام" فقط، بل هو شامل لجميع الأحاديث الواردة في جميع الأبواب، ومنها باب صفات الله تعالى، فكلام الكوثري هذا حجة عليه خاصة، وعلى الماتريدية عامة كما هو حجة على منكري نزول عيسى عليه السلام، وغيرهم من الملحدين في أسماء الله وصفاته.


(١) ((شرح الطحاوية)) (ص ٣٩٨ - ٤٠١) المكتب و (ص ٣٩١ - ٣٩٥)، البيان.
(٢) بحث لأبي غدة في آخر كتاب ((الأجوبة الفاضلة)) (ص ٢٣٢).
(٣) انظر ((نظرة عابرة)) (ص ١١٣)، و ((مقدمة ناشرها)) (ص ٢٦ - ٢٧، ٤٦، ٥٣، ٥٦).
(٤) أثنى السبكي على هذا الكتاب ثناء عاطراً: ((طبقات الشافعية)) (٥/ ٣٤٣).
(٥) ((نظرة عابرة)) (ص ١١١ - ١١٢) وهذا كلام شيخ الإسلام والكوثري كتمه.
(٦) ((مقالات الكوثري)) (ص ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>