وقال الكوثري: "ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة هذه النعرة بين حين، وآخر تهوين أمر أخبار الآحاد الصحيحة من السنة .. ، .. ، فبتهوين أمر أخبار الآحاد يتخلصون من كتب السنة، من صحاح، وسنن وجوامع ومصنفات، ومسانيد، وتفاسير بالرواية، وغيرها ... ؛فهل يسلك مثل هذه السبيل من سبل الشيطان غير صنائع أعداء الإسلام؟ على أن أخبار الآحاد الصحيحة قد يحصل بتعدد طرقها تواتر معنوي؛ بل قد يحصل العلم بخبر الآحاد عند احتفافه بالقرائن؛ بل يوجد بين أهل العلم من يرى أن أحاديث الصحيحين - غير المنتقدة - من تلك الأحاديث المحتفة بالقرائن" (١).
قلت: أول من استخف بالأحاديث النبوية واستهان بأمرها هم هؤلاء المتكلمون - أئمة الكوثري وهو منهم - في باب الصفات - فهم قدموا عليها عقولهم الفاسدة وردوها أو حرفوها وعلى كل حالٍ كلام الكوثري هذا حجة عليه وعلى الماتريدية في باب الصفات وهذا تناقض واضح فاضح.
الحاصل: أن أحاديث الصفات لو سلمنا أنها أخبار آحادٍ لكنها محتفة بالقرائن مفيدةٌ للعلم القطعي بشهادة أئمة الإسلام، وكبار المتكلمين من المعتزلة والماتريدية والأشعرية، أولهم النظام، وآخرهم الكوثري.
ولكن الكوثري مع تناقضه الفاضح ... شهد على نفسه ببيانه الواضح
فكان كعنز السوء قامت بظلفها ... إلى مدية تحت التراب تثيرها
الوجه السادس:
لو سلمنا أن أحاديث الصفات أخبار آحاد مجردة، وسلمنا أيضاً أنها غير محتفة بالقرائن، وسلمنا أيضاً أنها لا تفيد اليقين ولا تفيد إلا العمل فقط، لكن لا نسلم أن لفظ "العمل" مقصور بعمل الجوارح فقط. بل المراد من "العمل" أعم من "عمل الجوارح" فيشمل "عمل القلب"، فيصح الاحتجاج بخبر الواحد في باب الاعتقاد؛ لأنه من "عمل القلب"، وهذا كله بشهادة كبار الماتريدية واعترافهم بما فيهم الكوثري.
فكيف يصح إبعاد أخبار الآحاد عن حيز الاحتجاج بها في باب العقيدة؟.
وكيف يصح زعمهم أنها ظنية لا تثبت بها العقيدة؟.
هذا كله على فرض تسليم أنها ظنية كفرض المحال، مع أنها متواترة، ومشهورة، ومحتفة بالقرائن، ومتفق عليها، متلقاة بالقبول، مفيدة للعلم القطعي يصح الاحتجاج بها في الاعتقاد والأحكام جميعاً بإجماع السلف، ونصوص كبار المتكلمين من المعتزلة، والماتريدية والأشعرية كما سبق، فهي أحد مصدري تلقي العقيدة في دين الإسلام.
وإليك بعض نصوص الماتريدية في أن "العمل" أعم من "عمل الجوارح" فيشمل "عمل القلب" فيصح الاحتجاج بخبر الواحد في باب الاعتقاد؛ لأنه من عمل القلب؛ فأقول وبالله التوفيق:
لقد تصدى الكوثري للرد على مزاعم منكري نزول عيسى عليه السلام الذين تمسكوا بقاعدة فاسدة باطلة وضعها المتكلمون من أن أخبار الآحاد ظنية لا تثبت بها العقيدة؛ فقالوا: "إن أحاديث نزول عيسى عليه السلام أخبار آحاد ظنية لا تثبت بها العقيدة، ولا تصلح إلا للأحكام العملية". إلزاماً للمتكلمين واحتجاجاً عليهم.
فرد عليهم الكوثري ردوداً عدة:
منها أن المراد من العمل في كلام المتكلمين: "أن أخبار الآحاد لا تصلح إلا للعمل" أعم من "عمل الجوارح" فيشمل "عمل القلب" وهو الاعتقاد.
فيقول الكوثري: (قال علاء الدين عبدالعزيز بن أحمد البخاري في شرح أصول فخر الإسلام البزدوي: "اعتقاد القلب فضل على العلم، لأن العلم قد يكون بدون عقد القلب، كعلم أهل الكتاب بحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم، مع عدم اعتقادهم حقيقة .. ، والعقد قد يكون بدون العلم أيضاً كاعتقاد المقلد، وإذا كان كذلك جاز أن يكون خبر الواحد موجباً للاعتقاد الذي هو عمل القلب، وإن لم يكن موجباً للعلم.
(١) ((مقالات الكوثري)) (ص ١٣٥ - ١٣٦).