للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء قد قالوا: إن الله خاطبنا عبثاً، لأنه خاطبنا بما لا نفهم، والله يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:٤].وقد جاء بهذا، فقد أبان كما قال الله، لكن أبى هؤلاء أن يكون ذلك بياناً" (١).١٠ - قلت: نقله الشعراني، وأقره (٢) وهو خرافي فلا يصدق.

وفي كلام هذين الرجلين عبرة للمتكلمة المتصوفة.١١ - وصرح العلامة المقبلي أن السلف لم يكونوا مفوضة، والتفويض جهل بالمعنى. وهو أخو التأويل فالمفوض متأول لا مسلِّم (٣).

١٢ - ١٣ - وقال العلامة المحمود الألوسي مفتي الحنفية ببغداد (١٢٧٠هـ) وابنه السيد نعمان الألوسي (١٣١٧هـ):

"قيل: إن السلف بعد نفي ما يتوهم من التشبيه يقولون: لا ندري ما معنى ذلك؟ والله أعلم بمراده. واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على ذلك كثيرة جداً ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم العباد فيما يرجع إلى الاعتقاد بما لا يدرى معناه ... " (٤).

الحاصل: أن القول بالتفويض المطلق - أي تفويض المعنى، والكيف جميعاً - قول في غاية الفساد والبطلان، وموقف بالغ الضلال والبهتان لاستلزامه ما يلي:

١ - الجهل بالله تعالى وبأسمائه الحسنى، وصفاته العلا.

٢ - ٣ الجهل بمذهب السلف، والتقول الفاحش عليهم.

٤ - تجهيل السلف من الصحابة والتابعين، بل تجهيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٥ - استبلاد السلف وأنهم كانوا يقرؤون نصوص الصفات بدون فهم معناها.

٦ - تفضيل الخلف الحيارى المتهوكين على السلف الذين هم أعلم الناس بصفات ربهم بعد الأنبياء عليهم السلام.

٧ - ٨ - أن القرآن لم يكن هدى وشفاء وبياناً، وأن الله خاطب الناس بكلام لا يفهمون معناه، إلا غير ذلك من اللوازم الفاسدة.

الوجه الثاني:

أن القرآن لا يمكن أن يوصف بكونه هدى وشفاء ونوراً إلا إذا كان مفهوم المراد ويكون في غاية من الوضوح والبيان.

ولذلك وصف الله تعالى كتابه بأنه مبين.

ووصفه بأنه بيان، وأنه تبينا، ووصف آياته بأنها بينات، ووصفها بأنها مبينات، ووصف كتابه بأنه على لسان عربي مبين.

وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:٤].

وقال: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:٤٤]

وأمر عباده بالتدبر في القرآن وآياته.

فكيف يعقل بعد هذا أن آيات الصفات مع تلك الكثرة الكاثرة والأهمية لا يعلم المراد منها، ولا يعرف معانيها، وأن السلف كانوا يتلونها بدون معرفة المراد؟.

الحاصل: أن الذي يدعي التفويض في المعنى، ويتقوله على السلف - فهو في الحقيقة مع جهله وتجهيله للسلف لم يجعل القرآن بياناً،، ولا هدى وفرقانا،،

كما صرح به شيخ الإسلام،، وأشار إليه ابن القيم الإمام،،

الوجه الثالث:

أن نقول: مما لا ريب فيه أن السلف تعرضوا لتفسير نصوص الصفات فتفسيرهم لها فرع معرفتهم لمعانيها، لأن تفسير الشيء فرع العلم به فإذا لا يعرف الإنسان شيئاً ما كيف يفسره؟! لأن الحكم على الشيء فرع لتصوره.

فتفسير السلف لنصوص الصفات يبطل التفويض كما يبطل تقوله عليهم وأنهم براء من هذا التفويض الباطل المنقول.


(١) ((الفتوحات المكية)) (٤/ ٧).
(٢) انظر ((اليواقيت والجواهر)) (ص ٩٥).
(٣) ((الأرواح النوافخ)) (ص ٣٩٥).
(٤) ((روح المعاني)) (١٦/ ١٥٩)، و ((جلاء العينين)) (ص ٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>