للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"والصنف الثالث: أصحاب التجهيل: الذين قالوا: نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا ندري ما أراد الله ورسوله، منها، ولكن نقرؤها ألفاظاً لا معاني لها، ونعلم أن لها تأويلاً لا يعلمه إلا الله، وهي عندنا بمنزلة كهيعص [مريم:١] وحم عسق [الشورى: ١ - ٢].

وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف، وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ..

وبنوا هذا المذهب على أصلين:

أحدهما: أن هذه النصوص من المتشابه.

والثاني: أن للمتشابه تأويلاً لا يعلمه إلا الله.

فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة، والتابعين لهم بإحسان ... ؛

ولازم قولهم أن الرسول كان يتكلم بذلك، ولا يعلم معناه.

ثم تناقضوا أقبح التناقض فقالوا: تجرى على ظواهرها، وتأويلها مما يخالف الظواهر باطل، ومع ذلك فلها تأويل لا يعلمها إلا الله ... ؛

وهؤلاء غلطوا في المتشابه، وفي جعل هذه النصوص من المتشابه، وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله.

فأخطأوا في المقدمات الثلاث، واضطرهم إلى هذا التخلص من تأويلات المبطلين، وتحريفات المعطلين، وسدوا على نفوسهم الباب، وقالوا: لا نرضى بالخطأ، ولا وصول لنا إلى الصواب.

فهؤلاء تركوا التدبر المأمور به والتذكر، والعقل لمعاني النصوص الذي هو أساس الإيمان، وعمود اليقين. وأعرضوا عنه بقلوبهم، وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك، وظنوا أنها أنزلت للتلاوة، والتعبد بها دون تعقل معانيها وتدبرها، والتفكر فيها (١).٦ - وللإمام ابن القيم كلام مهم آخر غالبه سبق في كلام شيخ الإسلام (٢).

٧ - وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي (٧٩٢) هـ:"فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه، جميع الأمة، ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لاحظ لهم في معرفة معناه سوى قولهم: مَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا [آل عمران:٧] وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك" (٣).

٨ - وقال الحافظ ابن حجر عن بعض أهل العلم:

(قول من قال: "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم" ليس بمستقيم، لأنه ظن أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات. فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف، والدعوى في طريقة الخلف، وليس الأمر كما ظن، بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى، وفي غاية التعظيم له، والخضوع لأمره، والتسليم لمراده، وليس من سلك طريق الخلف واثقاً بأن الذي يتأوله هو المراد، ولا يمنعه القطع بصحة تأويله) (٤).

٩ - وقال ابن عربي المعروف عند أهل الخرافة بالشيخ الأكبر، وخاتم الأولياء (٦٣٨هـ) وهو في الحقيقة "الشيخ الأكفر" والكذوب قد يصدق:

"وقسم آخر: قال: نؤمن بهذا اللفظ كما جاء من غير أن نعقل له معنى حتى نكون في هذا الإيمان به في حكم من لم يسمع، ونبقى على ما أعطانا دليل العقل من إحالة مفهوم هذا الظاهر من هذا القول.

فهذا القسم متحكم أيضاً بحسن عبارة، وأنه رد على الله بحسن عبارة، فإنهم جعلوا نفوسهم في حكم نفوس لم تسمع ذلك الخطاب.

وقسم آخر: قالوا: نؤمن بهذا اللفظ على حد علم الله فيه، وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم.


(١) ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٤٢٢ - ٤٢٤)، وانظر ((مختصر الصواعق)) (١/ ٥٤ - ٥٥).
(٢) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ١٦١ - ١٧٠)، وانظر ((مختصر الصواعق)) (١/ ٧ - ٩).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٣٤) ط المكتب، و (ص ٢٠٠)، ط دار البيان.
(٤) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>