للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا.

وما في التابعين أجل من أصحاب هذين السيدين ... ؛

ولو كان معنى هذه الآيات منفياً، ومسكوتاً عنه لم يكن ربانيو الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاماً فيه،

ثم إن الصحابة نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة.

ولم يذكر أحد منهم أنه امتنع من تفسير آية.

قال أبو عبدالرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يقرؤننا - عثمان ابن عفان، وعبدالله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل".

وكذلك الأئمة كانوا إذا سئلوا شيئاً من ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتون المعنى وينفون الكيف".

ثم ذكر مقالة الإمامين ربيعة ومالك، المعروف وشرحها شرحاً وافياً ثم قال:"ثم السلف متفقون على تفسيره بما هو مذهب أهل السنة، قال بعضهم: "ارتفع على العرش: علا على العرش"، وقال بعضهم عبارات أخرى، وهذه ثابتة عن السلف، قد ذكر البخاري في "صحيحه" في آخر كتاب الرد على الجهمية" (١).

١٢ - ١٤ وقال العلامة محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (١٢٧٠هـ) وابنه نعمان الآلوسي (١٣١٧هـ): وحفيده شكري:" ... وأيضاً قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المنى ... ، ... وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا ففي صحيح البخاري: قال مجاهد: "استوى على العرش" "علا على العرش"، وقال أبو العالية: "استوى على العرش" "ارتفع" (٢).

قلت: الحاصل: أن السلف كانوا يعرفون معاني صفات الله تعالى والمراد من نصوصها، ولذلك فسروها كتفسيرهم لبقية النصوص غير أنهم كانوا يفوضون علم كيفيتها إلى الله تعالى.

وهذا دليل قاطع على إبطال التفويض المتقول على السلف، وأنهم لم يكونوا مفوضة، بل كانوا مثبتين للصفات بلا تكييف ولا تمثيل ومنزهين لله تعالى عن كل عيب ونقص بلا تحريف ولا تعطيل. ويزيده إيضاحاً وتحقيقاً ما في الوجه الآتي.

الوجه الرابع:

أن السلف كانوا يميزون بين صفة وصفة وكانوا يصرحون بأن هذه الصفة غير تلك الصفة، وليست عينها، ولا يجوزون تفسير أحداها، بالأخرى.

فلو كانوا لا يعرفون معانيها كيف يميزون بين صفة وأخرى؟؟

فهذا من الحجج الدامغة على أنهم كانوا على حظ عظيمٍ وافر من العلم بها مع تفويضهم علم كيفيتها إلى الله تعالى.

وأذكر لذلك مثالين على لسان الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى لتكون فيهما عبرة للحنفية الماتريدية الذين ادعوا التفويض ونسبوه إلى السلف. الأول: ما قاله الإمام أبو حنيفة: " ... ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف .. " (٣).الثاني: ما قال: "وغضبه، ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه، ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه" (٤).


(١) ((الإكليل)) (ص ٤٨ - ٥٢)؛ و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٣٠٧ - ٣١٠)، و ((ضمن دقائق التفسير)) (١/ ١٤٢ - ١٤٣)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (٢/ ٣١ - ٣٤).
(٢) ((روح المعاني)) (١٦/ ١٥٩)، و ((جلاء العينين)) (ص ٢٧٢)، وانظر ((انظر غاية الأماني)) (١/ ٤٥٢).
(٣) ((الفقه الأكبر بشرح القاري)) (ص ٥٩).
(٤) ((الفقه الأبسط)) (٥٦)، وسكت عليه الكوثري.

<<  <  ج: ص:  >  >>