للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا: إن الله ينزل كلاماً لا يفهم أحد معناه .. فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأنه لا يُسكَتُ عن بيانهِ، وتفسيره، بل يُبَيَّنُ باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه، أو إلحاد في أسماء الله وآياته" (١).

الجواب الثالث:

أن القول بأن نصوص الصفات متشابهات لا تُعلم معانيها - قولٌ يكذبه الواقع بل هي محكمات واضحات وليست متشابهات - نعلم ذلك بالاضطرار.

قال شيخ الإسلام:

"والدليل على أن هذا ليس بمتشابه لا يعلم معناه أن نقول: لا ريب أن الله سمى نفسه في القرآن بأسماء مثل الرحمن، والودود، والعزيز، والجبار، والعليم، والقدير، ونحو ذلك.

ووصف نفسه بصفات، مثل سورة الإخلاص، وآية الكرسي، وأول الحديد وآخر الحشر، وقوله: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:٢] .. فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:٥٥]، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:٢٨]، وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة:٤٦]، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:٥]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:١٠]، إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:٤٦]، مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:٧٥]، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة:٦٤]، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:٢٧]، أوَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:٣٩] إلى أمثال ذلك ... ؛

ثم يقال لهذا المعاند: فهل هذه الأسماء دالة على الإله المعبود وعلى الحق الموجود أم لا؟

فإن قال: لا - كان معطلاً محضاً، وما أعلم مسلماً يقول هذا. وإن قال: نعم - قيل له: فهمت منها دلالتها على نفس الرب ولم تفهم دلالتها على ما فيها من المعاني من الرحمة، والعلم وكلاهما في الدلالة سواء ... (٢) "؟!

الجواب الرابع:

أن هؤلاء الماتريدية عاكسوا السلف في جعل نصوص الصفات الإلهية الكمالية - متشابهات. وجعل المتشابهات - عند السلف - محكماتٍ (٣).

كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:١١] وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:٦٥].ونحوهما من المتشابهات - بمعنى أنها مجملات فيها نفي مجمل تشتبه على من لا يفهمها. (٤)

فردوا بها نصوص العلو، والاستواء، والنزول، والوجه، واليدين، وغيرها من نصوص الصفات التي هي في غاية الصراحة والبيان والإيضاح والإحكام والتفصيل كما سيأتي تفصيله.

فالماتريدية في هذه المعاكسة تبع للجهمية الأولى بشهادة إمام أهل السنة:

قال الإمام أحمد في الجهم وطريقته الباطلة:

" ... ووجد ثلاث آيات من المتشابه:


(١) ((الإكليل)) (ص ٣٢ - ٣٤، ٢٠ - ٢١)، و ((ضمن دقائق التفسير)) (١/ ١٣٤ - ١٣٥، ١٢٩)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٩٤ - ٢٩٥، ٢٨٥)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (٢/ ٢١ - ٢٢، ١٥)، ونقله القاسمي وأقره، انظر ((محاسن التأويل)) (٤/ ٢٤ - ٢٥)، وانظر ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢١٣).
(٢) ((الإكليل)) (ص ٣٥ - ٣٦)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٩٦ - ٢٩٨)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (٢/ ٢٣ - ٢٤)، و ((ضمن دقائق التفسير)) (١/ ١٣٥ - ١٣٦)، ونقله القاسمي وأقره في ((محاسن التأويل)) (٤/ ٢٥ - ٢٨).
(٣) انظر ((مدارك التنزيل)) (١/ ١٩٧)، تبعاً للجهمية الأولى والمعتزلة. انظر ((كشاف الزمخشري الحنفي المعتزلي)) (١/ ٤١٢).
(٤) ((درء التعارض)) (٥/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>