للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب الأول: أن قياس نصوص الصفات على الحروف المقطعة في أوائل السور باطل، لأن نصوص الصفات من الكلام العربي المبين أسلوباً وتركيباً، ومركبة من جمل تنحل إلى المفردات العربية المعروفة في لغة العرب الواضحة معانيها لكل عربي مدني وقروي وحضري كوضوح ألفاظها، بخلاف تلك الحروف المقطعة في أوائل السور فإنها رموز، حتى صرح الإمام ابن أبي العز بأنها ليست آيات عند جمهور العادّين (١).

ولأن المتشابه نوعان:

١ - متشابه في نفسه وأصله الذي استأثر الله بعلم تأويلها كالحروف المقطعة في أوائل السور.٢ - ومتشابه في وصفه وهو متشابه إضافي الذي يعرفه الراسخون (٢).فقياس الثاني على الأول قياس مع الفارق، والقياس مع الفارق باطل (٣).

الجواب الثاني:

أننا لا نسلم أن نصوص الصفات من المتشابه الذي لا تُعْلَمُ معانيها، بل هي آيات محكمات واضحات، والقول بأنها متشابهات لا تعلم معانيها - قول مبتدع لا سلف لقائله.

وليست مما يندرج تحت قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ [آل عمران:٧]، لأنه لم يقل أحد من السلف أن معاني نصوص الصفات لا يعلمها أحد إلا الله، لا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته رضي الله عنهم.

فلا يصح استدلالهم بهذه الآية قطعاً، وفيما يلي بعض أقوال الأئمة:

١ - قال الإمام ابن قتيبة (٢٧٦هـ) أديب أهل السنة:

"ولسنا ممن يزعم: أن المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم وهذا غلط من متأوليه على اللغة، والمعنى.

ولم ينزل الله شيئاً من القرآن إلا ينفع به عباده، ويدل على معنى أراده، فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره لزمنا للطاعن مقال، وتعلق علينا بعلة.

وهل يجوز لأحد أن يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف المتشابه؟! ".

ثم ذكر نصوصاً دالة على أن الصحابة رضي الله عنهم أيضاً يعلمون معاني المتشابهات، ثم قال:

"ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا [آل عمران:٧]- لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين لأنهم جميعاً يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا. وبعدُ: فإنا لم نر المفسرين توقفوا عن شيء من القرآن، فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمروه كله على التفسير حتى فسروا "الحروف المقطعة في أوائل السور ... " (٤).٢ - ومثله كلام للإمام القرطبي (٦٧١هـ) (٥).٣ - ومثله كلام الإمام ابن أبي العز الحنفي (٧٩٢هـ) (٦).٤ - والعلامة محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (١٢٧٠هـ) (٧).

٥ - وقال شيخ الإسلام:

"من قال: إن هذا من المتشابه، وأنه لا يفهم معناه. فنقول له: أما الدليل على بطلان ذلك: فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل، ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه.


(١) ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٣٥).
(٢) انظر ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٣٤)، وانظر ((شرحي المنار: كشف الأسرار، ونور الأنوار)) (١/ ٢٢٣ - ٢٢٥).
(٣) انظر ((المنار مع شرحه كشف الأسرار، ونور الأنوار)) (٢/ ٢٣٦، ٢٤٨).
(٤) ((تأويل مشكل القرآن)) (ص ٩٨ - ١٠٠).
(٥) ((الجامع لأحكام القرآن)) (٤/ ١٨).
(٦) ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٣٤ - ٢٣٥).
(٧) ((روح المعاني)) (٣/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>