للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلامة المقبلي: "المذهب الثالث: من يقول ليس المراد هو ظاهر العبارة بحسب ما يفهم من اللغة لكنا جهلنا المعنى المراد، فنمسك عن الفحص عنه كما أمسك السلف. وهذا المذهب في الحقيقة هو الأول - (أي التأويل) - وإن كان أسلم من الذي قبله باعتبار أنه سهل، فهو ليس بمذهب ثالث، لأن صاحبه إنما سكت عن التعيين، وقد حكم بالتأويل في الجملة فهو متأول لا مسلم" (١) يعني أن المفوض نافٍ للصفات.

وقال الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله: "فالفرق بين التحريف والتعطيل: أن التعطيل نفي المعنى الحق الذي دل عليه الكتاب السنة،

وأما التحريف: فهو تفسير النصوص بالمعاني الباطلة التي لا تدل عليها.

والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق.

فإن التعطيل أعم مطلقاً من التحريف، بمعنى أنه كلما وجد التحريف وجد التعطيل دون العكس.

وبذلك يوجدان معاً فيمن أثبت المعنى الباطل ونفى المعنى الحق. ويوجد التعطيل بدون التحريف فيمن نفى الصفات الواردة في الكتاب والسنة، وزعم أن ظاهرها غير مراد، ولكنه لم يعين لها معنى آخر، وهو ما يسمونه بالتفويض ... " (٢).

الحاصل: أن التفويض المطلق الباطل يتضمن التعطيل فهو أخو التأويل.

فثبت أن السلف لم يكونوا مفوضة كما لم يكونوا مؤولة معطلة ..

بل كانوا مثبتين للصفات بلا تمثيل ومنزهين لله تعالى بلا تعطيل.

وبهذا تبين بطلان القول بالتفويض، ونسبته إلى السلف، وبالله التوفيق.

تنبيه: لقد تبين بهذا التحقيق الفرق بين التفويضين اللغوي، والكلامي، فالتفويض اللغوي عدم الحكم على الشيء لا نفيا ولا إثباتاً وهو التفويض السلفي بعينه، أما التفويض الكلامي فهو نفي الصفات ثم رد معانيها وكيفيتها إلى الله.

الوجه التاسع:

أن القول بالتفويض، ونسبته إلى السلف -

قول متناقض مضطرب تناقضاً واضحاً، واضطراباً فاضحاً.

فإن من أثبت شيئاً من الصفات، وادعى في بقيتها إما التفويض، وإما التأويل -

لزمه التفويض أو التأويل فيما أثبته؛

لأنه لو طولب بالفرق بين ما أثبته وبين ما فوض فيه أو أول لم يجد جواباً صحيحاً وفرقاً.

فالماتريدية قد أثبتوا لله حياة، وعلماً، وإرادة وسمعاً، وبصراً، فلم يجعلوها متشابهاتٍ، ولم يفوضوا فيها ولم يؤولوها.

فهلا جعلوها متشابهاتٍ لا يعلم معناها إلا الله كما جعلوا غيرها متشابهات؟

وهلا فوضوا فيها كما فوضوا في غيرها؟ أو لم لا يؤولونها كما أولوا غيرها؟

وهلا نسبوا التفويض فيها إلى السلف كما نسبوا في غيرها إليهم؟.

ولهذا لا يوجد لهؤلاء ولأمثالهم قانونٌ مستقيمٌ.

الحاصل: أنه تبين للقراء الكرام بهذه الوجوه التسعة إبطال القول بالتفويض المطلق المختلق ونسبته إلى سلف هذه الأمة بحمد الله تعالى.

الجواب عن شبهاتهم التي تعلقوا بها:

للماتريدية شبهات في إثبات بدعة التفويض ونسبته إلى السلف أقواها شبهتان:

أ- أن نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. واستدلوا بقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ [آل عمران:٧] على قراءة الوقف على لفظ الجلالة (٣).

ب- أن كثيراً من السلف قد صرحوا بأن هذه النصوص لا تفسر، بل تفسيرها تلاوتها، وقالوا: نمرها كما جاءت. وهذا صريح في أنهم كانوا يفوضون في المعنى والكيف جميعاً (٤).

أما الشبهة الأولى:

فعنها عدة أجوبة نذكر منها ما يلي:


(١) ((الأرواح النوافخ ذيل العلم الشامخ)) (ص ٣٩٥).
(٢) ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص ٢١)، وانظر ((الكواشف الجلية)) (ص ٨٩ - ٩٠).
(٣) انظر ((شرح المقاصد)) (٢/ ٥٠)، و ((ضوء المعالي)) (ص ٣٢)، و ((النبراس)) (ص ١٨٦)، و ((نظم الفرائد)) (ص ٢٣).
(٤) ((تبديد الظلام)) (ص ١٣٦، ١٧١، ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>