للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا يدل دلالة قاطعة على أنهم لم يكونوا مفوضةً، فضلاً عن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم مفوضةً جاهلين بالله وبأسمائه الحسنى، وصفاته العلا.

ولهذا قال الله تعالى: لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:٦٠]

قال شيخ الإسلام: "وأهل السنة يقولون لهؤلاء: ونحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بإثبات الصفات، ونصوص في الكتب الإلهية، أكثر وأعظم من نصوص المعاد.

ويقولون لهم: معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد، وقد أنكروه على الرسول صلى الله عليه وسلم، وناظروه عليه، بخلاف الصفات، فإنه لم يكن العرب تنكر.

فعلم أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد. فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به، وأن ما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به؟ " (١).

وقال الإمام السهيلي (٥٨١هـ): "فإن قيل: وكيف خوطبوا بما لا يفهمون ولا يستعملون، إذ اليد بمعنى الصفة لا يفهم معناه.

قلنا: ليس الأمر كذلك بل كان معناها مفهوماً عند القوم الذين نزل القرآن بلغتهم.

ولذلك لم يستفت واحد من المؤمنين عن معناها، ولا خاف على نفسه وتوهم التشبيه، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه؛

وكذلك الكفار لو كانت عندهم لا تعقل إلا في الجارحة لتعلقوا بها في دعوى التناقض، واحتجوا بها على الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولقالوا له: زعمت: أن الله ليس كمثله شيء، ثم تخبر أن له يداً كأيدينا وعيناً كأعيننا. ولم ينقل ذلك عن مؤمن، ولا كافر علم أن الأمر كان فيها عندهم جلياً لا خفياً .. " (٢).ولشيخ الإسلام كلام مهم في هذا الصدد أيضاً فراجعه (٣).

تنبيه: لقد جمع العلامة عبدالسلام أحد كبراء الفنجفيرية عدة نصوص لبيان مذهب السلف؛

فاختلط عليه الحابل بالنابل، وخلط علماً صالحاً وآخر سيئاً؛ عيسى الله أن يتوب علينا وعليه؛ حيث ذكر عن السيوطي: أن مذهب السلف تفويض معناها المراد إلى الله مع تنزيهه عن حقيقتها (٤).

قلت: كلامه متناقض لأنه ذكر نصوصاً قبله وبعده تناقضه؛ وباطل أيضاً بهذه الوجوه السابقة واللاحقة.

وهذا برهان إنَّيٌّ على أنه لم يعرف التوحيد ومذهب السلف،، فلذا وقع في طامات الماتريدية الخلف،،

وهذا الجهل المطبق برهان لِمِّىٌّ على وقوعه في التفويض الواضح،، والتناقص الفاضح،،

الوجه الثامن:

أن التفويض المطلق المفتعل المصنوع على السلف أخو التأويل الذي يتضمن تعطيل الصفات وتحريف نصوصها كما سيأتي تحقيقه.

فكذلك التفويض يتضمن التعطيل غير أن التأويل يتضمن التحريف أيضاً.

فالتفويض والتأويل مشتركان في تضمنهما للتعطيل، لأن المفوض لا يثبت لله الصفات بل ينفيها؛

لأنه يقول: ظاهر نصوص الصفات غير مراد فهو ينفي العلو، والاستواء والنزول واليدين، والغضب والرضا ونحوها من صفات الله؛

ويقول: إن النصوص لا تدل على هذه، وهي غير مرادة منها، وأن المراد غير معلوم فقد وقع المفوض في التعطيل من هذه الجهة من حيث لا يشعر كما وقع في الجهل بصفات الله وتجهيل السلف.


(١) ((الحموية)) (ص ٣٨)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٣) ((النفائس)) (ص ١٠٧).
(٢) ((بدائع الفوائد)) (٢/ ٤ - ٥) لابن القيم عنه.
(٣) ((درء التعارض)) (٧/ ١٢٨، ٥٥ - ٧١)، وانظر ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص ٩٩).
(٤) انظر ((تنشيط الأذهان)) (ص ٣٤٧ - ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>