للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاكتفاء الإمام بالتفويض في الكيف دليل قاطع على أنه لم يفوض في المعنى وهذا برهان قاطع على أن الماتريدية لم يعرفوا مذهب إمامهم؛ وثبت أن مذهبه إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، وتفويض الكيف.٦ - كلام الإمام عبدالله بن المبارك (١٨١ هـ) الذي عده الحنفية ومنهم الكوثري في زمرة كبار أئمة الحنفية (١) فرية بلا مرية.

قال علي بن الحسن بن شقيق (٢١٥هـ).

"سألت عبدالله بن المبارك: كيف ينبغي أن نعرف ربنا عز وجل؟

قال: "على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه ها هنا في الأرض".

قلت: ليتدبر كل عاقل طالب الحق رباني القلب في نص هذا الإمام العظيم، هل هو يثبت علو الله على عرشه، وفوقيته على خلقه؟.

أم يفوض في معنى العلو وكيفيته؟

بلى احتج هذا الإمام العظيم بعلو الله تعالى على عرشه على معرفته تعالى فهل يكون هذا من المفوضة؟ فاعتبروا يا أولى الأبصار.

٧ - وقال الإمام عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي (١٥٧ هـ) وهو يحكي إجماع السلف على إثبات فوقية الله تعالى على خلقه وعلوه على عرشه - خاصة وجميع الصفات عامة-:

"كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت السنة بما من صفاته جل وعلا".

الحاصل: أن نصوص أئمة السنة دالة - إما نصاً وإما ظاهراً - على أنهم كانوا يعرفون معاني الصفات ويفهمون المراد من نصوصها غير أنهم كانوا يفوضون في الكيف فقط دون المعنى؛

فنسبة التفويض المطلق الباطل إليهم تقول قبيح وكذب صريح، وبهت شنيع، وافتراء فظيع وضلال وإضلال.

وفي ذلك عبرة للماتريدية،، ولاسيما الفنجفيرية،،الذين ينسبون التفويض إلى السلف كذباً وزوراً (٢).

الوجه السابع:

أنه من المعلوم علماً اضطرارياً أن المشركين واليهود والنصارى وغيرهم من الكفرة كانوا ألد أعداء الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة المسلمين.

وكانوا يترصدون الفرص للقدح في الإسلام بكل وسيلة ممكنة لهم.

ومن المعلوم بلا ارتياب أنهم لم يقدحوا في نصوص الصفات، ولا قالوا: إن هذا الرجل - رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأتباعه - الصحابة رضي الله عنهم - يتكلمون بكلام لا يفهم معناه.

فلو كانت نصوص الصفات لا يعلم المراد منها، وأن الصفات لا تُعرف معانيها، وأن الصحابة لا يعرفون لك - لبادر هؤلاء الكفار إلى الطعن في الإسلام وسارعوا إلى القدح في القرآن والمسلمين من هذا الباب فدل ذلك دلالة قاطعة على أن هؤلاء الكفار لم يكونوا مفوضين على الإطلاق فضلاً عن المسلمين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن المعلوم أيضاً أن المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقدون الكفار وآلهتهم بأنها لا تتصف بصفات الألوهية الكمالية، من السمع والبصر، والقدرة، والعلم، والكلام، ونحوها، والتكليم، بل هي متصفة بصفات النقص فلا تستحق الألوهية بخلاف رب العالمين إله الحق سبحانه وتعالى فإنه متصف بصفات الكمال فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له. ولم يكن المشركون يعارضون المسلمين في هذا قط؛ كما عارضوهم في مسائل أخرى (٣):

فلم ينفوا عن الله تعالى صفاته الكمالية، وكانوا معترفين بذلك، اللهم إلا من عاند منهم وأكره نفسه على مخالفة الفطرة وما هو مركوز في القلوب.


(١) انظر ((الجوهرة المضية)) (٢/ ٣٢٤ - ٣٢٦)، و ((فقه أهل العراق)) (ص ٦١).
(٢) انظر ((تنشيط الأذهان)) للشيخ عبدالسلام الفنجفيري (ص ٣٤٦، ٣٤٧، ٣٤٨).
(٣) لشيخ الإسلام مبحث عظيم الفائدة يجب الإطلاع عليه. انظر ((درء التعارض)) (٥/ ٥٥ - ٧١) ففيه عبرة للماتريدية عامة،، وللفنجفيرية خاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>