للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعالمون بالشرع معترفون أنكم مبتدعون في الإسلام ما ليس منه، والذين يعقلون ما تقولون يعلمون أن العقل يناقض ما قلتم، وأن ما جعلتموه دليلاً على إثبات الصانع لا يدل على إثباته؛ بل هو استدلال على نفي الصانع، وإثبات الصانع حق، وهذا الحق يلزم من ثبوته إبطال استدلالكم" (١).قلت: لذلك قال أئمة السنة: "المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً، والمعطل أعمى، والممثل أعشى، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه" (٢).ومن هذا يظهر أن المشبهة خيرٌ من المعطلة؛ فإن المعطل شر منه؛ لأنه شبه الله تعالى، بالمعدومات والممتنعات (٣).ولأنه جمع بين التشبيه وبين التعطيل (٤).وأن القول بالتشبيه المحض أهون من التعطيل، والتعطيل أعظم ضرراً من التشبيه، حتى باعترافهم (٥).

وقد صرح القرامطة الباطنية على لسان ابن سينا وأمثاله.

والأشعرية على لسان الغزالي والرازي وأمثالهما، والماتريدية على لسان التفتازاني والبياضي، وأمثالهم، بأن الكتب السماوية والرسل لو صرحت للجمهور بأن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا فوق-

ليبادروا إلى الإنكار ولقالوا: إن هذا هو المعدوم.

قلتُ: لا ريب أن هذا الرب الذي يصفه الماتريدية بأنه لا فوقُ ولا تحتُ ولا خارجُ ولا داخلُ شيءٌ ممتنع الوجود فضلاً عن أن يكون واجب الوجود.

ولذلك جاءت الكتب السماوية والرسل على أن الله تعالى فوق العالم فتوافق النقل الصحيح والعقل الصريح والفطرة السليمة، وكل هذا يدل على أن هؤلاء الماتريدية في قولهم هذا مبطلون ومعدمون وجود الله سبحانه وتعالى، بل جعلوه ممتنعاً، من حيث لا يشعرون.

وقد صرح كثير من أئمة السنة والكلام بأن نفي علو الله تعالى مستلزم لكون الله معدوماً بل ممتنعاً.

وسأذكر فيما يلي نماذج من نصوص بعضهم لتكون محجة واضحة وشاهدة لما قلنا وتكون فيها عبرة للماتريدية وتتم الحجة عليهم وتقطع أدبارهم وأعذارهم، وتقلع أوردتهم وأوتنتهم:

١ - الإمام محمد بن الحسن الشيباني أحد الأئمة الثلاثة للحنفية رحمهم الله (١٨٩هـ) فقد صرح بأن الجهمية وصفوا الله تعالى بصفة لا شيء.

٢ - إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (٢٤١هـ).قال بعد ما ذكر عقيدة الجهمية وسلوبهم: "فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء" (٦).

٣ - الإمام عبد العزيز بن يحيى بن مسلم الكناني المكي (٢٤٠هـ) صاحب كتاب (الحيد) في صدد رده على الجهمية.

قال: قال - (يعني أحدُ الجهمية) - أقول: إن الله في كل مكان لا كالشيء في الشيء، ولا كالشيء على الشيء، ولا كالشيء خارجاً عن الشيء، ولا مبايناً للشيء.

قال: (أي الكناني):


(١) ((رسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل)) (٢/ ٣٢)، وضمن ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٣٩)، وانظر ((الصواعق المرسلة)) (٣/ ٩٦٢ - ٩٨٨)، و ((مختصر الصواعق)) (١/ ١٣٠)، ط جديدة والصواب: "لا جزم أنكم ابتدعتم".
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٦١، ١٩٦)، و ((جلاء العينين)) (ص ٣٩١، ٣٨٨).
(٣) راجع لتحقيق هذا المطلوب: ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢٦٣ - ٢٦٥، ٤/ ١٢٣ - ١٢٣٥)، ونظر: ((التدمرية)) (ص ٣٠، ٨٠)، و ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ١٦، ٤٩)، و ((درء التعارض)) (٦/ ١٣٦ - ١٣٧، ٧/ ٢٦٠).
(٤) انظر ((رد الدارمي على بشر المريسي)) (ص ٧٦)، و ((التدمرية)) (ص ٨١)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤٩) مع أن المشبه معطل أيضاً.
(٥) انظر: ((إلجام العوام للغزالي الأشعري)) (ص ١٣٠)، و ((عقيدة الإسلام)) لأبي الخير الماتريدي (ص ٣٥٦)، وراجع أيضا ((درء التعارض)) (١/ ٢٤٩، ١٠/ ٣٠٦)، و ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص ٢٣٧).
(٦) ((الرد على الجهمية)) (ص ١٠٥ - ١٠٦)، ونقله شيخ الإسلام في ((بيان تلبيس الجهمية)) (١/ ٣١٥ - ٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>