للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع مخالفته المنقول الصحيح ومكابرته المعقول الصريح، وخروجه على الفطرة والإجماع مستلزمٌ لكون الله معدوماً بل ممتنعاً، بل صريح في ذلك بأبلغ عبارة؛ لأن الشيء إذا لم يكن داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته ولا يمينه ولا شماله ولا أمامه ولا خلفه فهو معدوم بل ممتنع بلا ريب، والعقل الصريح، والفطرة الصحيحة يشهدان على ذلك. بل الماتريدية والأشعرية أحسوا أن تصور هذا الشيء الذي هذه صفته صعبٌ، ولذلك قال الإيجي الأشعري (٧٥٦هـ): والجرجاني الماتريدي (٨١٦هـ) الحنفي واللفظ له: "وربما يستعان في تصور موجود لا حيز له أصلاً بالإنسان الكلي المشترك بين أفراده، وعلمنا به، فإنهما موجودان، وليسا بمتحيزين قطعا (١).

قلت: انظر أيها المسلم كيف اعترف هؤلاء بالحق وأن هذا الشيء الذي هذه صفته لا يعقل ولكن ربما يستعان في تصوره بالإنسان الكلي؟.

ومع ذلك لا يذعنون للحق.

فاعترافهم هذا أكبر دليل وأقطع حجة على أن قولهم: "إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق، ولا تحت ... "

صريح في عدم وجود الله تعالى بل في كونه ممتنعاً. لأن وجود الإنسان الكلي وجود ذهني، لا خارجي حتى باعتراف الماتريدية عامة والكوثري خاصة (٢).

فوجود الإنسان الكلي في الخارج ممتنع بلا ريب، فإذا كان وجود الله تعالى كوجود الإنسان الكلي-

فلابد أن يكون وجوده ذهنياً، يمتنع وجوده في الخارج.

فيكون الله على قولهم معدوماً بل ممتنعاً.

قال شيخ الإسلام: "الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وبشرط سلب الأمور الثبوتية أو لا بشرط مما يعلم بصريح العقل انتفاؤه في الخارج، وإنما يوجد في الذهن، وهذا مما قرروه في منطقهم اليوناني. وبينوا أن المطلق بشرط الإطلاق، كإنسانٍ مطلقٍ بشرط الإطلاق، وحيوان مطلقٍ بشرط الإطلاق، وجسم مطلقٍ بشرط الإطلاق، ووجودٍ مطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان دون الأعيان" (٣).

قلتُ: لذا نرى أن استدلالهم على إثبات الصانع في الحقيقة استدلال على نفي الصانع.

قال شيخ الإسلام: " ... قولهم: إنا عرفنا حدود العالم بهذه الطريقة وبه أثبتنا الصانع -

يقال لهم: لا جرم (أنكم) ابتدعتم طريقاً لا يوافق السمع ولا العقل؛


(١) انظر ((المواقف)) (ص ٢٧٢)، و ((شرحها)) (٨/ ٢٢).
(٢) انظر ((شرح المواقف)) (٨/ ٢٢)، و ((تعريفات الجرجاني)) (ص ٢٣٩)، و ((شرح الفقه الأكبر)) (ص٦٢) و ((تبديد الظلام)) للكوثري ((ص ٦٣)، ((شرح التهذيب)) (ص ٥٩ - ٦٠).
(٣) ((درء التعارض)) (١/ ٢٨٦) وانظر ((شرح التهذيب)) (ص ٥٩ - ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>