للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كله دليل على أن سلف هذه الأئمة وأئمة السنة على حقٍ مبين من إثبات "فوقية الله تعالى" على العالم كله، وأن هذه قضية شرعية نقلية صحيحة، كما هي عقلية بديهية صريحة، وإجماعية فطرية أيضاً، فمن قال خلاف ذلك أو زعم أن الفوقية أمر وهمي فهو "قرمطي" في المنقولات، وسوفسطائي في المعقولات. ولذلك قال شيخ الإسلام: في هؤلاء الماتريدية والأشعرية وأمثالهم: "ولهذا كان هؤلاء المعرضون عن الكتاب، المعارضون له سوفسطائية منتهاهم السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات ... " (١).وقد يقول فيهم: "وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا" (٢).وقال: "بل سلطوا الفلاسفة عليهم وعلى الإسلام" (٣).

وللإمام ابن أبي العز الحنفي (٧٩٢هـ) رحمه الله كلام مهم ينبغي الاطلاع عليه.

حاصله: لو فرضنا أن العقل إن قبل قولكم: "إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ... " فهو لقولنا: "إن الله فوق العالم" - أقبل.

وإن أبطل العقُل قولنا - فهو لقولكم أشد إبطالاً، فكيف تدعون أن قول القائل: "إن الله فوق العالم" من حكم الوهم؟.

ثم نقول: إن عامة فطر الناس بل جميع بني آدم في ذلك معنا ولم يخرج عن هذه البداهة العقلية وهذه الفطرة السليمة إلا طائفة قليلة من المتكلمين، وأول من عرف عنه ذلك الجهم، فكيف تقولون "إن قول القائل: "إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق .. " هو من حكم العقل.

وقول القائل: "إن الله فوق العالم" من حكم الوهم؟.ونقول أيضاً: أنتم تحكمون على عقلياتنا بأنها من حكم الوهم، فإن كان حكم فِطَرِ بني آدم مقبولاً ترجحنا عليكم، وإلا نرجع إلى السمع، فإن السمع معنا لا معكم؛ فترجحنا فكيف تدعون علينا بالوهم؟ (٤).

قلت: الآن ليوازن كل مسلم طالب للحق والإنصاف بين حجج أئمة الإسلام وبين شبهات أساطين الكلام ليتبين من هم أصحاب الوهميات الكاذبات؟.

ومن المكابر لصريح العقل؟ ومن المخالف لصحيح النقل؟ ومن الخارج عن الإجماع والفطرة؟

وهؤلاء كانوا أئمة السنة الأبطال، وتلك سيوفهم الصوارم على أهل الضلال وأذكر ما قيل في هؤلاء الرعيل:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

فلينظر المسلم من يخالل؟ فإن المرء مع من أحب، ولا يخف في الله لومة لائم.

وعيرني الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

الوجه الرابع:

أن قول الماتريدية: "إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، ولا فوق العالم ولا تحته، ولا يمين ولا شمال، ولا خلف، ولا أمام".


(١) ((درء التعارض)) (٥/ ٢٥٦، و ١/ ٢١٨، ٢٧٦، ٢/ ١٥، ٣/ ٣٤، ٨/ ٥٩)، ((بغية المرتاد "السبعينية")) (ص ١٨٣ - ١٨٤)، و ((التدمرية)) (ص ١٩)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٩) و ((الحموية)) (ص ١١٤ - ١١٥)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١١٩)، و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (ص٤٧٧ - ٤٧٨)، و ((رسالة الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل)) (٢/ ٣٦ - ٣٧)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٣ - ٢٤٤).
(٢) انظر ((الحموية)) (ص ٣٨)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٣)، و ((شرح حديث النزول)) (ص ١٦٣)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٠).
(٣) انظر ((الحموية)) (ص ٣٨)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٣)، و ((شرح حديث النزول)) (ص ١٦٣)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٠).
(٤) انظر: ((شرح الطحاوية)) (ص ٣٢٦ - ٣٢٧)، و ((أصل الكلام)) لشيخ الإسلام في الجواب عن شبهة آثارها الرازي، انظر: ((درء التعارض)) (٦/ ١١٢ - ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>