للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: "وهذه "القضايا" - يعني أدلة السلف في إثبات "علو الله تعالى" - مع أنها وهميةٌ فهي في النفس لا تتميز عن الأوليّات القطعية مثل قولك:

لا يكون شخص في مكانين".

بل يشهد به أول الفطرة كما يشهد بالأوليات العقلية.

وليس كل ما تشهد به الفطرة قطعاً هو صادق. بل الصادق ما يشهد به قوة العقل ... " (١).

تدبر أيها المسلم من كلام هذا الفيلسوف الذي لقب بـ"حجة الإسلام" إسلام المكابرة لبداهة العقل الصريح ومناقضة محكم النقل الصحيح.

كيف اعترف ببعض الحق؟.

ولكن لما كان كلامه متضمناً للباطل أيضاً.

وقف له العلامة المعلمي بالمرصاد فقال معلقاً على كلامه هذا، ومعقباً عليه، مُجْتَثّاً لأوهامه، مُقْبِلاً مِكَرّاً على هامته:

"قال المثتبون - (للفوقية) -: أما أن القضية - (يعني كون الله فوق العالم) بديهية لفطرية فحق لا ريب فيه.

وأما زعمه: أنها وهميةٌ - فباطل.

لأن القضايا الوهمية من شأنها أن ينكشف حالها بالنظر انكشافاً واضحاً ومن شأن الشرع إذا كانت - تلك الوهمياتُ - ماسة بالدين كهذه أن يكشف عنها، وكلا هذين - الأمرين - منتفٍ. أما الشرع، فإنما جاء بتقرير هذه القضية، وتثبيتها، وتأكيدها بنصوص صريحة تفوق الحصر، بل أصل بناء الشرائع على نزول الملك من عند الله عز وجل بالوحي على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام" (٢).

قلتُ: ومما يُكَذِّبُ هؤلاء تكذيباً صريحاً اعترافهم بأن بني آدم كلهم - سوى أهل الكلام والفلسفة العريقين الغريقين - على الإقرار بأن الله تعالى فوق العالم، واعترفوا أيضاً بأن ملل الأنبياء والكتب السماوية والأحاديث النبوية جاءت على موافقتهم في "أن الله فوق العالم" لكن لمصلحة دعوتهم، لأن ملل الأنبياء والكتب السماوية والأحاديث النبوية لو جاءت صريحة بأن الله تعالى "لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ... لسارع الناس إلى الإنكار وبادروا إلى العناد، ولقالوا: هذا الرب الذي هذا وصفه عدم محض.

قلت: تدبر أيها المسلم في هذا الكلام مع اشتماله على كفر قبيح - وهو أن الأنبياء والكتب جاءت على خلاف الحق وجاءت بالكذب لمصلحة دعوة العوام ولكن كلامهم هذا مع هذا الكفر الشنيع والإلحاد الفظيع، صريح في اعترافهم "بأن الله تعالى فوق العالم ليس إلاّ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تكون فوقية الله تعالى على خلقه مع موافقتها المعقول والمنقول وإجماع بني آدم وفطرهم أمراً وهمياً؟!.


(١) ((المستصفى)) (١/ ٤٧).
(٢) ((التنكيل)) (٢/ ٣٥١)، و ((القائد إلى تصحيح العقائد)) (ص ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>