للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكنت كالساعي إلى مثعب ... موائلاً من سبل الراعد

أو كالمستجير من الرمضا بالنار ... والهارب من لسعة الزنبور إلى لدغة الحية، ومن قرصة النحلة إلى قضمة الأسد" (١).

١٣ - ١٥ - وللعلامة محمود الآلوسي الحنفي (١٢٧٠هـ) وابنه نعمان الآلوسي الحنفي (١٣١٧هـ، وحفيده شكري الآلوسي الحنفي (١٣٤٢هـ) كلام مهم في هذا الصدد وقد تقدم نص كلامهم.

وفي ذلك عبرة للماتريدية أيما عبرة؟

الحاصل: أن هؤلاء الماتريدية وخلطاءهم من المتكلمين أفنوا أعمارهم وأنهوا قواهم لإثبات وجود الله تعالى وأنه واجب الوجود بطرق استلزمت كون الله تعالى معدوماً؛ بل ممتنع الوجود فضلاً عن كونه ممن الوجود؛

لأنهم وصفوا الله تعالى بصفات المعدومات بل الممتنعات، فأرادوا التنزيه فوقعوا في أقبح التشبيه وأوقحه، وأرادوا نفي التمثيل فوقعوا في أبشع التحريف وأشنع التعطيل.

الوجه الخامس:

أن قول الماتريدية، "إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه ولا فوق ولا تحت ... " إلى آخر هذيانهم -

رفعٌ للنقيضين. ورفع النقيضين محال عند العقلاء جميعاً (٢).

فإن القاعدة المطردة الكلية في "النقيضين" أنه لا يجوز رفعهما ولا يجوز جمعهما، حتى باعتراف الماتريدية.

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٢/ ٤٨٦

رابعا: خروج الماتريدية على الفطرة السليمة المستقيمة

تشهد فطر بني آدم كلهم جميعاً - غير الشرذمة القليلة من المتكلمين - أن الله تعالى فوق خلقه أجمعين، وقلوبهم تتوجه إليه وترغب وقت نزول الشدائد والكرب، وعلى ذلك جميع بني آدم ذكورهم وإناثهم، وعلمائهم وعوامهم، وعربهم وعجمهم ومسلمهم وكافرهم. وليس إنكار ذلك إلا مكابرة وعناداً وإكراهاً للعقول على قبول ما لا تقبله أبداً وترد فطر بني آدم جميعاً.

وقد استدل كثير من سلف هذه الأمة وأئمة السنة بدليل الفطرة على "علو الله تعالى" وأُقِدّم للقراء بعض النماذج من كلامهم ليعرفوا مدى مكابرة الماتريدية للمعقول والمنقول والفطرة والإجماع في آن واحد.

ونبدأ بذكر نصٍ مهمٍ للإمام أبي حنيفة - رحمه الله - إتماماً للحجة على الماتريدية وإيضاحاً للمحجة السلفية:

١ - قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى (١٥٠هـ):

"من قال: لا أعرف الله أفي السماء أم في الأرض فقد كفر، قال الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:٥].

فإن قال: أقول: بهذه الآية، ولكن لا أدري أين العرش؟.

في السماء أم في الأرض؟ فقد كفر أيضاً.

ونذكره من أعلى لا من أسفل.

لأن الأسفل من الربوبية والألوهية في شيء.

وروى في الحديث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: وجب علي عتق رقبة مؤمنة أفيجزئ أن أعتق هذه؟

فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((أمؤمنة أنت؟)).


(١) ((التحف في مذاهب السلف)) (ص٩)، ((ضمن الرسائل السلفية له، وضمن الرسائل المنبرية)) (٢/ ٩٢)، ونقله المولوي برخوردار على الملتاني الحنفي وأقره، انظر ((حاشية على النبراس)) للفريهاري (ص ١٦٩).
(٢) راجع ((التدمرية)) (ص ٦٣ - ٦٥)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٣٩ - ٤٠)، و ((نقض المنطق)) (ص ٥١)، و ((ضمن مجمع الفتاوى)) (٤/ ٦٠ - ٦١)، و ((القصيدة النونية)) (ص٥٥)، و ((توضيح المقاصد)) (١/ ٣٨٦ - ٣٨٩)، و ((توضيح الكافية الشافية)) (ص ٥٨ - ٥٩)، و ((شرح النونية)) للهراس (١/ ١٧٦ - ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>