للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فارجع وتب من قال مثلك إنه ... لمعطل والكفر فيه كامن

فأجاب شيخ الإسلام بجواب كاف شاف يشفي العليل ويروي الغليل من المرضى بأدواء التحريف والتعطيل.

وحقق بالمنقول الصحيح والمعقول الصريح أن الله فوق العالم، وأن قولهم: "إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ... ".يلزم منه كون الله تعالى معدوماً بل ممتنعاً فأجاد وأفاد شيخ الإسلام، جزاه الله خيراً (١).

٩ - وقال مؤرخ الإسلام ناقد الرجال الإمام الذهبي (٧٤٨هـ):

"مقالة السلف، وأئمة السنة، بل الصحابة، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون: أن الله عز وجل في السماء وأن الله على العرش، وأن الله فوق سماواته ..

ومقالة الجهمية: أنه في جميع الأمكنة.

ومقالة متأخري المتكلمين: أن الله تعالى ليس في السماء، ولا على العرش ولا على السماوات، ولا في الأرض، ولا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا هو بائن عن خلقه، ولا هو متصل بهم ...

قال لهم أهل السنة والأثر ... :

فإن هذه السلوب نعوت المعدوم، تعالى الله جل جلاله عن العدم؛ بل هو متميز عن خلقه، موصوف بما وصف به نفسه، من أنه فوق العرش بلا كيف" (٢).

١٠ - الإمام ابن القيم رحمه الله (٧٥١هـ) له بحوث قيمة في تحقيق أن كلام المتكلمين: "إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ... ".

مستلزم لكون الله تعالى معدوماً بل مستحيلاً ممتنعاً. وأن حاصل قولهم إنكار وجود الصانع، وأنهم سايروا الفلاسفة، والدهرية، والجهمية، والزنادقة، وأنهم لا للإسلام نصروا، ولا لأعدائه كسروا، وأن طريقهم لإثبات الصانع طريق لنفيه، إلى آخر كلامه القيم المهم الفصيح البليغ الذي فيه دواءٌ شافٍ كافٍ للمرضى بداء التحريف والتعطيل (٣).

ومن أقواله الصوارم:

فاحكم على من قال: ليس بخارج ... عنها، ولا فيها، بحكم بيان

بخلافه الوحيين، والإجماع والـ ... ـعقل الصريح، وفطرة الرحمن

فعليه أوقع حدّ معدومٍ وذا ... حدُّ المحال بغير ما فرقان

ياللعقول إذا نفيتم مخبراً ... ونقيضه! هل ذاك في إمكان

إذ كان نفي دخوله، وخروجه ... لا يصدقان معا لذي الإمكان

إلا على عدم صريح نفيه ... متحقق ببداهة الإنسان

أيصح في المعقول يا أهل النهى ... ذاتان لا بالغير قائمتان

ليست تباين منهما ذات لأخـ ... ـرى، أو تحايثها فتجتمعان

إن كان في الدنيا محال فهو ذا ... فارجع إلى المعقول، والبرهان

١١ - وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي (٧٩٢هـ):

" .. بل يقول هؤلاء المتكلمون "لا مباين، ولا مجابن، لا داخل العالم ولا خارجه".

فيصفونه بصفة العدم والممتنع. تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً .... (٤)

١٢ - وقال الإمام الشوكاني (١٢٥٠هـ):

"يا هذا .. قد رأيت ما يقوله كثير منهم:

"إن الله سبحانه ... ، لا داخل العالم، ولا خارجه".

فأنشدك الله! أي عبارة تبلغ مبلغ هذه العبارة في النفي؟.

وأي مبالغةٍ في الدلالة على هذا النفي، تقوم مقام هذه المبالغة؟

فكأن هؤلاء في فرارهم من شبهة "التشبيه" إلى هذا "التعطيل" كما قال القائل":


(١) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٦٧ - ٣٢٠)، وانظر: أيضا ((التدمرية)) (ص ٥٩ - ٦٢)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٣٧ - ٣٩).
(٢) ((العلو)) (ص ١٠٧، ١٩٥)، و ((مختصر العلو)) (ص ١٤٦ - ١٤٧، ٢٨٧)، ومثله كلام شيخنا الألباني في ((مختصر العلو)) (ص ٥٤، ١٢٢).
(٣) انظر: ((الصواعق المرسلة)) (٣/ ٩٦٢ - ٩٨٨)، ((الوجه الستون))، و ((الوجه الحادي والستون)) (٤/ ١٢٣٣ - ١٢٣٥)، ((الوجه)) "١٣٧" و ((مختصر الصواعق)) (١/ ١٨٨ - ٢٠١)، الطبعة القديمة، و (١/ ١٢١ - ١٣٠)، الطبعة الجديدة، ((الوجه الثلاثون))، و ((الحادي والثلاثون).
(٤) ((شرح الطحاوية)) (ص ٣٤٥، ٣١٨، ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>