للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وما في كتاب الدارمي من إثبات المكان والجهة والحد والنهاية والغاية ... وكفر ناقل من الملة حتى إخوان الصفا يقرون في قرارة أنفسهم أن ذلك كفر ناقل عن الملة فكيف أصدر الأزهر القرار بإباحة نشره وأنه لا شيء في تداوله -

على ما فيه من الكفريات الفظيعة التي ذكرنا بعض نماذج منها. ثم قال: في كتاب الدارمي وسنة عبدالله بن أحمد من الكفريات والجاهلية الجهلاء والوثنية الخرقاء ودسائس الوثنية وصرائح الكفر الناقل من الملة (١).وقال: "ومن يَعُدُّ الله سبحانه متمكناً بمكان فهو عابدُ وثن خارجٌ عن جماعة المسلمين كما نص عليه غير واحد من أئمة أصول الدين، تعالى الله عن إفك الأفاكين" (٢).

قلت: هكذا نرى الكوثري في عامة كتاباته الفتاكة المسمومة يجاهر بتلبيس الحق بالباطل، وتدليس في الدين وتحريف لصميم الإسلام وتكفير لسلف هذه الأئمة وأئمة السنة وجعلهم وثنية وطعنه في كتبهم وجعلها من كتب الوثنية.

وقد قال مثل هذا الهذيان كبار أساطين الماتريدية.

وقد حرف أبو الليث السمرقندي (٣٧٥هـ) قول الإمام أبي حنيفة: "من قال: لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فقد كفر".فقال: في توجيه كلام الإمام أبي حنيفة: "لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان فكان مشركاً" (٣).وتبعه في هذا التحريف رئيس قضاة الماتريدية لعساكرهم كمال الدين البياضي (١٠٩٨هـ) فقال في توجيه كلام الإمام أبي حنيفة: "لكونه قائلاً باختصاص الباري بجهة وحيز، وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة ... " (٤).

قلت: هذا كان بيانا تشبثهم بتلك الشبهات وتمسكهم بتلك الألفاظ المجملة البدعية الفلسفية الكلامية البراقة المدهشة المخوّفة المهولة لمن لا يعرف حقيقة قصدهم منهم، وبهذه الشبهة عطلوا "صفة العلو" لله تعالى، وحرفوا نصوصها بأنواع من التأويلات إلى شتى المعاني المجازية التي ذكرناها.

الجواب عن هذه الشبهات:

لأئمة السنة عن شبهاتهم جوابان: إجمالي، وتفصيلي:

أما الجواب الإجمالي:

فهو أن هذه الألفاظ المجملة المتشابهة المحدثة الفلسفية الكلامية لا تقبل مطلقاً ولا ترد مطلقاً قبل أن يعلم مراد قائلها.

بل لابد أن يستفسر قائلها؛ فإن أراد معنًى حقاً موافقاً للكتاب والسنة - قيل قوله وإلا يرد قوله، وينبذ نبذ النواة.

قال شيخ الإسلام (٧٢٨هـ) والإمام ابن القيم (٧٥١هـ) وابن أبي العز الحنفي (٧٩٢هـ) ونعمان الآلوسي الحنفي (١٣١٧هـ) واللفظ للثالث:

"للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال:

فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف ... لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية.

فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي.

ولهذا كانت النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً ... وبعض المثبتين لها يدخل لها معنى باطلاً مخالفاً لقول السلف ...


(١) انظر ((مقالات الكوثري)) (ص ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٧، ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٤، ٢٩٦، ٣٠١، ٣٠٥).
(٢) ((مقالات الكوثري)) (ص ٣٠٢).
(٣) شرح ((الفقه الأبسط)) المطبوع خطأ باسم الماتريدية بعنوان ((شرح الفقه الأكبر)) (ص ١٧) ونقله الكوثري محتجاً به، انظر: تعليقاته على ((الفقه الأبسط)) (ص ٤٩).
(٤) ((إشارات المرام)) (ص ٢٠٠)، ونقله الكوثري محتجاً به، انظر ((مقالات الكوثري)) (ص ٢٩١)، وتعليقه على ((الفقه الأبسط)) (ص ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>