للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم نفياً وإثباتاً وإنما نحن متبعون لا مبتدعون، فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات فما أثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نفيناه ... وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها. فإن كان معنى صحيحاً قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب به ونحو ذلك" (١).

وقال ابن أبي العز أيضاً بعد ما أكد أن يجعل الكتاب والسنة أصلاً ودليلاً وبرهاناً:

"ويجعل أقوال الناس التي توافقه أو تخالفه متشابهة مجملة، فيقال: لأصحابها هذه الألفاظ يحتمل كذا وكذا، فإن أرادوا بها ما يوافق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل، وإن أرادوا بها ما يخالفه رد، وهذا مثل لفظ المركب والجسم، والحيز، والجوهر والجهة، والحيز، والعرض، ونحو ذلك ... وإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل".ثم ذكر رحمه الله أننا لا نوافق هؤلاء على هذه التسميات ولا كرامة فإن سموا إثبات الصفات تركيباً مثلا، فنقول لهم: العبرة للمعاني لا للألفاظ سموه ما شئتم، ولا يترتب على التسمية بدون المعنى حكم، فلو اصطلح على تسمية اللبن خمراً لم يحرم بهذه التسمية (٢).

قلت: بناء على ذلك نقول: للماتريدية سموا صفات الله تعالى من العلو والنزول والاستواء والوجه واليد، والقدم، والغضب، والرضا، والمحبة، والكراهية، ما شئتم فلا يجوز إبطال صفات الله تعالى بالتسميات المبتدعة والألقاب الشنيعة المدهشة من الحد، والحيز، والجهة، والمكان، والأفول، وحلول الأعراض، والتشبيه، والتجسيم ونحوها؛ فالعبرة للمعاني لا للمباني.

وأما الجواب التفصيلي فهو ما يلي:

١ - "الحد".

إننا قد بينا قاعدة مهمة من قواعد السلف في باب الصفات حول الألفاظ المجملة المتشابهة الكلامية آنفاً في الجواب الإجمالي.

فنقول: في ضوء القاعدة:- إن لفظ "الحد" يطلق على معنيين:

الأول: بمعنى الإحاطة بالله علماً فلا شك أن "الحد" بهذا المعنى منفي عن الله تعالى فلا منازعة بين أهل السنة، لأن الله تعالى غير مدرك بالإحاطة، وقد عجز الخلق عن الإحاطة به، وعلى هذا يحمل قول من نفى "الحد" من السلف. والثاني: بمعنى أن الله تعالى متميز عن خلقه منفصل عنهم مبائن لهم عال عليهم غير مخلوط بهم ولا حال فيهم فهذا المعنى حق فـ"الحد" بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر، فإنه ليس وراء نفيه إلا وجود الرب، ونفي حقيقته وعلى هذا يحمل قول من أثبت " الحد" لله تعالى من السلف (٣).لذا نرى كثيراً من السلف كسفيان الثوري وشعبه وحماد بن زيد وحماد بن سلمة، وشريك وأبو عوانه وأبو داود الطيالسي والطحاوي (٤)، وغيرهم نفوا "الحد".وفي رواية عن الإمام أحمد أيضاً (٥).


(١) ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص ٢٣٨ - ٢٣٩)، وانظر ((جلاء العينين)) لنعمان الألوسي (ص ٣٨٦)، وراجع أيضاً إلى ((منهاج السنة)) (١/ ٢٤٩)، و ((التدمرية)) (ص ٦٥ - ٦٦) و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤١ - ٤٢)، فهو في غاية الأهمية.
(٢) ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٢٢ - ٢٢٦).
(٣) ((درء التعارض)) (٢/ ٣٣ - ٣٥)، و ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص ٢٣٩ - ٢٤٠).
(٤) ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص ٢٣٨ - ٢٣٩).
(٥) رواه الخلال كما في ((درء التعارض)) (٢/ ٢٩ - ٣٢)، و ((السنة)) للإمام أحمد رواية الاصطخري (ص ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>