للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الأصل يدل عليه قول السلف وأهل السنة:"إنه لم يزل متكلماً إذا شاء ولم يزل قادراً ولم يزل موصوفاً بصفات الكمال ولا يزال كذلك فلا يكون متغيراً" .... " (١).

الحاصل: أنه لا يستلزم من إثبات صفة "استواء" الله تعالى على عرشه كونه تعالى متغيراً.

الناحية الخامسة:

أن شبهتهم من لزوم "الانتقال" من مكان إلى مكان -

شبهة قديمة لقدماء الجهمية.

وأئمة السنة وسلف هذه الأمة قد أفحموهم وأسكتوهم وكسروا أسنانهم بالحجر فبهت الذي كفر.

وستأتي إن شاء الله أجوبة أمثال الإمام الفضيل بن عياض (١٨٧هـ) الذي جعله الحنفية حنفياً،

ويعظمونه تعظيماً بالغاً وهو أهل له.

وإمام الجرح والتعديل يحيى بن معين (٢٣٣هـ) الذي يجعله الحنفية ولاسيما الكوثرية حنفياً صلبا متعصباً ويجلونه غاية الإجلال وهو أهل للإكرام.

والإمام حماد بن زيد (١٧٩هـ).

والإمام إسحاق بن راهويه (٢٣٨هـ).

في إسكات هؤلاء الجهمية.

الناحية السادسة:

قولهم: "إن للاستواء خمسة عشر معنى، وللعرش معان فكيف يصح تمسكهم بآية "الاستواء"؟

فنقول: هذا تدليس واضح وتلبيس فاضح، وتشكيك في العقيدة. مَنْ هذا الذي قال من سلف هذه الأمة من أئمة السنة: إن معنى الاستواء ومعنى العرش في جميع تلك النصوص القرآنية الصريحة غير معلومين؟.

كلا والذي استوى على عرشه! بل معنى "الاستواء"، ومعنى "العرش" في تلك الآيات الواضحات - معلومان بلا ريب. وأول من قال: هذه المقالة - فيما أعلم - هو الإمام أبو بكر بن العربي (٥٤٣هـ) (٢) سامحه الله وإيانا - وتبعه الكوثري.

ولكن الإمام ابن القيم جعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس.

والإمام أبو بكر بن العربي هو الذي لعبت به عقليته الكلامية - على جلالة قدره - حتى قال ما قال في وجوب النظر والاستدلال. وقد سبق أن ذكرنا جواباً شافياً كافياً عن هذه الشبهة فلا نعيده (٣).

غير أننا نضيف ههنا أموراً:

الأمر الأول: أن الله تعالى ذكر صفة "استوائه" على عرشه في سبعة مواضع من كتابه:

١ - ٢ - فقال: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: ٥٤]، [يونس: ٣]

٣ - وقال: اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:٢]

٤ - وقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥]

٥ - ٦ - وقال: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان: ٥٩، السجدة: ٤]

٧ - وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ... [الحديد: ٤]

وهذه الآيات كلها تواطأت على لفظين إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:٥]


(١) ((رسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل)) (٢/ ٤٣ - ٤٥)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٤٩ - ٢٥٠)، وانظر: ((درء التعارض)) (٢/ ١٨٥ - ١٨٧).
(٢) ((العواصم من القواصم)) (٢/ ٢٨٩) تحقيق عماد الطالبي ط الثانية ١٩٨١م الجزائر ..
(٣) انظر: ((الصواعق المرسلة)) (١/ ١٩٢ - ١٩٦)، و ((مختصر الصواعق)) (١/ ١٦ ع١٨، ٢/ ١٤٨ - ١٥١)، الطبعة القديمة، و (ص١٢ - ١٤، ٣٣٣ - ٣٣٥) ط الجديدة و (١٤ - ١٦، ٣١٩ - ٣٢١) دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>