للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على خبث ما تنطوي عليه قلوب رؤوس الجهمية، والاعتزال فردهم الله بغيظهم ولم ينالوا خيراً، فهذا كلام إمام العربية ابن الأعرابي يصرخ أن الاستواء لم يأت في لغة العرب بمعنى الاستيلاء، وأن "الاستيلاء" لا يصح أن يكون تفسيراً لآيات الاستواء" لما في الاستيلاء من معنى المضادة، والمغالبة والتمانع والله منزه من ذلك كله. وقد قال: كثير من الأئمة مثل ما قاله إمام اللغة العربية ابن الأعرابي (١).

قال الخطابي وابن عبدالبر، واللفظ له:"وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، وأما إدعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل الاستواء "استولى" - فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، معنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة على أنه أريد به المجاز ... " (٢).وقال الأئمة أيضاً في إبطال تأويل الاستواء بالاستيلاء: إن الله تعالى لم يزل مستوياً غالباً قادراً محيطاً على خلقه كله على عرشه وغيره فأي فائدة في هذا؟ صرح بهذا الأشعري والخطابي والباقلاني (٣).

الناحية العاشرة:

أن هذا البيت: "قد استوى بشر ... " مصنوع موضوع على العرب.

قال الإمام أبو سليمان الخطابي ((٣٨٨هـ): "وزعم بعضهم أن معنى الاستواء ها هنا الاستيلاء ونزع فيه ببيت مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله ... ".

قلت: واعجباً للماتريدية خاصة، والجهمية عامة؛ يستدلون ببيت مصنوع مختلق موضوع على العرب ولم يتجرأوا على نسبته إلا إلى الشاعر الكافر الأخطل النصراني!!!.

وقد صنعوا مثل هذا الفعل الشنيع في باب صفة "كلام" الله تعالى أيضاً فاستدلوا ببيت: "إن الكلام لفي الفؤاد ... ".فقد بنوا بنيانهم المنهار على بيت مصنوع موضوع على العرب (٤) ونسبوه إلى هذا الشاعر الكافر الأخطل النصراني، وهذا البيت أيضاً لا يوجد في ديوانه (٥) وتجرأ بعضهم فنسبه إلى علي رضي الله عنه!! (٦).أما صرائح الكتاب والسنة المتواترة والإجماع والفطرة فيحرفونها ولا يطمئنون بها هذا من العجب العجاب!!! (٧).وأعجب من ذلك عدم رجوعهم إلى الأحاديث الصحيحة الصريحة وتمسكهم بخيالات الفلاسفة وخزعبلات الجهمية (٨).

الناحية الحادية عشرة:

أن تحريف الاستواء إلى الاستيلاء فراراً من التشبيه عينُ الوقوع في التشبيه فلا فائدة في هذا غير الوقوع في التحريف والتعطيل والتشبيه؛ فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.


(١) ((الإبانة)) للأشعري (٢/ ١٠٨ - ١٠٩)، و ((التمهيد)) للباقلاني (ص ٢٦٢)، و ((شعار الدين، للخطابي على ما في بيان تلبيس الجهمية)) (٢/ ٤٣٨)، و ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٣٢١).
(٢) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (٧/ ١٣١ِ)، وانظر كلام الخطابي في ((بيان تلبيس الجهمية)) (٢/ ٤٣٧ - ٤٣٨)، و ((مختصر الصواعق)) (ص ٣٢١)، عن كتاب ((شعار الدين)) للخطابي.
(٣) انظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) (٢/ ٤٣٧ - ٤٣٨)، ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٣٢١)، عن كتاب ((شعار الدين)).
(٤) راجع ((درء التعارض)) (٢/ ٨٥ - ٨٦)، و ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٦٧٤ - ٦٧٥)، و ((شرح الطحاوية)) (ص ١٩٨)، ونسب إلى البعث أيضاً. ((حاشية تيسير الكافيجي)) (ص ١٣٠).
(٥) كما قاله ابن أبي العز في ((شرح الطحاوية)) (ص ١٩٨).
(٦) انظر: ((النبراس)) للفريهاي (ص ٢١٥).
(٧) راجع ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٢/ ٣٢٣)، و ((شرح الطحاوية)) (ص ١٩٨).
(٨) انظر: ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>