للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جرير والألوسي وابنه نعمان الألوسي، واللفظ للثاني:"وأنت تعلم ... أن تفسير الاستواء بالاستيلاء تفسير مردود إذ القائل به لا يسعه أن يقول: كاستيلائنا بل لابد أن يقول: هو استيلاء لائق به عز وجل، وليقل من أول الأمر هو استواء لائق به جل وعلا" (١).

الناحية الثانية عشرة:

أن المحرفين لصفة "الاستواء" بالاستيلاء وغيره مع وقوعهم فيما سبق من المفاسد متناقضون مضطربون في مذهبهم؛ فإنهم لما حرفوا نصوص "الاستواء" وعطلوا هذه الصفة فراراً من التشبيه والتجسيم - هلا حرفوا نصوص الحياة والسمع والبصر وغيرها، فإثبات بعض الصفات وتعطيل بعضها ليس إلا إيماناً ببعض الكتاب وكفراً ببعضه مع التناقض الواضح والاضطراب الفاضح.

قال الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني (٤٣٨هـ) والد إمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك الجويني (٤٧٨هـ):

"فإن قالوا لنا في الاستواء: شبَّهْتُمْ - نقول لهم: في السمع شَبَّهْتُمْ، ووصفتم ربكم بالعرض ... فجميع ما يلزموننا به في الاستواء والنزول، واليد، والوجه والقدم، والضحك، والتعجب، من التشبيه نلزمهم به في الحياة، والسمع والبصر والعلم ... ، وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول، والوجه، واليد، صفات المخلوقين. فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف؛ فإن فهموا من هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا من الصفات السبع صفات المخلوقين" (٢).قلت: هذا الذي ذكرنا فيه كفاية لطلاب الحق والإنصاف والإخلاص ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب أئمة السنة ولاسيما إلى مباحث الإمام ابن القيم، فإنه قد أبطل تأويل صفة "الاستواء" باثنين وأربعين وجهاً فأجاد وأفاد (٣).

خلاصة مبحث الاستواء:

لقد اشتمل هذا المبحث على ما يلي من النتائج المهمة:

١ - أن صفة "الاستواء" صفة لله سبحانه كغيرها من صفات الله تعالى.

٢ - أن مذهب السلف في إثباتها لله تعالى بلا كيف ولا تمثيل فلا يحرفون نصوصها ولا يعطلونها.

٣ - أن الماتريدية معطلة لهذه الصفة محرفة لنصوصها.

٤ - أن الماتريدية في مذهبهم في صفة الاستواء على مذهب الجهمية والمعتزلة.

٥ - أن الماتريدية مبتدعة في مذهبهم هذا خارجون على مذهب الإمام أبي حنيفة كما هم خارجون عن إجماع أئمة هذه الأمة.

٦ - أن الماتريدية كعادتهم حرفوا نصوص الاستواء الصريحة وتشبثوا ببيت مصنوع موضوع على العرب منسوب زوراً إلى شاعر كافر نصراني.

٧ - أنا الماتريدية حرفوا معنى الاستواء بالاستيلاء الذي لا تساعده اللغة العربية بل أئمة اللغة أنكروا مجيء الاستواء بمعنى الاستيلاء.

٨ - أن الماتريدية مع تحريفهم وتعطيلهم لصفة الاستواء لم ينجوا من التشبيه بل وقعوا فيه، ولنعم ما قيل:

أقام يعمل أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء

٩ - أن هؤلاء لو ربحوا رأس المال لكنهم حرفوا وعطلوا فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.

التنبيه على تمويه التفتازاني تبعاً للقزويني والسكاكي الساحر الحنفي: قالوا: "استوى" محمول على الإيهام والتورية المجردة، "وهي التي لا تجامع شيئاً مما يلائم المعنى القريب نحو "الرحمن على العرش استوى" فإنه أراد بـ"استوى" معناه البعيد وهو "استولى" ولم يقرن به شيء مما يلائم المعنى القريب الذي هو "الاستقرار" (٤).

أقول: تعجبوا يا قوم! من إلحاد هؤلاء الجهيمة؛ تعالى الله سبحانه وكلامه عن إلغاز الملغزين وتمويه المموهين وتورية الساحرين.

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٣/ ٧


(١) ((روح المعاني)) (٨/ ١٣٦)، و ((جلاء العينين)) (ص ٣٦٠)، و ((جامع البيان)) (١/ ١٩٢).
(٢) ((رسائل في الاستواء والفوقية)) للجويني ((ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)) (١/ ١٨٢)، وانظر للاطلاع على تناقضهم واضطراب موقفهم: ((التدمرية)) (ص ٣١ - ٣٣، ٣٥ - ٣٦، ٤٢، ٤٦، ١٨٣) و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ١٧ - ١٨، ٢٠ - ٢١، ٢٤ - ٢٧)، و ((الحموية)) (ص ١٠٨ - ١١١)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١١٠ - ١١٥)، و ((مجموعة الرسائل الكبرى)) (١/ ٤٧١ - ٤٧٤)، و ((شرح حديث النزول)) (ص ٢٣ - ٢٩)، و ((ضمن مجموعة الفتاوى)) (٥/ ٣٥١ - ٣٦٠)، و ((أعلام الموقعين)) (١/ ٤٩)، و ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٣٤٤)، و ((شرح الطحاوية)) (ص ١٠١ - ١٠٢)، و ((شرح الفقه الأكبر)) (ص ٦١ - ٦٢).
(٣) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٢/ ١٢٦ - ١٥٢)، الطبعة القديمة، و (٢/ ٣١٩ - ٣٣٦)، الطبعة الجديدة و (ص ٣٠٦ - ٣٢٢) ط/ العلمية.
(٤) ((المختصر مع التخليص)) (ص ٣٢٤) و ((المفتاح)) (ص ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>