للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: أنها رواية شاذة مخالفة لجادة مذهبه وأنها غلط عليه فإن حنبلاً تفرد بها عنه، وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه هذا إذا كان في مسائل الفروع فكيف في أصول العقائد؟

وثانياً: أنه لو سلم صحتها تحمل على أن الإمام قد رجع عنها كما هو صريح منه في أكثر الروايات. وثالثا: أن الإمام قال ذلك على سبيل المعارضة للجهمية القائلين بخلق القرآن، فإنهم لما استدلوا بإتيان القرآن على أنه مخلوق فعارضهم الإمام أحمد إسكاتاً لهم وإلزاماً عليهم أن المراد إتيان ثوابه كما أنكم تقولون في إتيان الله "إتيان أمره" لا أنه يعتقد ذلك، والمعارضة لا تستلزم اعتقاد المعارض صحة ما عارض به (١). والله أعلم.

والجواب عن الشبهة الرابعة:

أن تحريف "يَنْزِل" إلى "يُنْزِل" ليس إلا من تحريفات اليهود الكذابين الأفاكين البهاتين على الأنبياء والمرسلين، إن لم نقل أنه شر من تحريفاتهم.

فلم يوجد لفظ "يُنزِلُ" في شيء من كتب السنة ولم يروه أحد من أئمة السنة فليس هذا من حديث سيد المرسلين الذي لا يكون إلا وحياً من رب العالمين بل هو "يُنْزِلُ" من وحي الشيطان لا من وحي الرّحمن؛

فقد انقطع الوحي إلا وحي الشياطين شياطين الفلاسفة والمتكلمين. قال شيخ الإسلام: " ... يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين كما روى بعضهم: "يُنْزِل" بالضم، وكما قرأ بعضهم وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: ١٦٤] ونحو ذلك من تحريفهم اللفظ والمعنى" (٢).

الحاصل: أن هذه التأويلات كلها من تأويلات الجهمية الأولى التي ورثتها أذيالهم من المعتزلة والماتريدية وغيرهم. قال شيخ الإسلام: "وهذا تأويل من تأويلاتهم القديمة فإنهم تأولوا تكليم الله لموسى، بأنه أمر ملكاً فكلمه .... " (٣).وقال: "والصواب أن جميع هذه التأويلات مبتَدَعَةٌ لم يقل أحد من الصحابة شيئاً منها، ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، وهي خلاف المعروف المتواتر عن أئمة السنة والحديث، أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة .... " (٤).

قلت:

وفيما ذكرنا كفاية ... لمن يطلب الحق ويريد الهداية

أما أهل العناد والتخريف ... والمكابرة والهوى والتحريف

فلا يُنّبهُهُمْ عن سباتهم إلا نفخةُ الصور ... لأنهم غريقون عريقون في الديجور

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٣٠/ ٣


(١) ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٤٠٦ - ٤٠٧) ط/ الجديدة.
(٢) ((شرح حديث النزول)) (ص ٣٧)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٧٢).
(٣) ((شرح حديث النزول)) (ص ٣٧، ٦٢)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٧١، ٤٠٩).
(٤) ((شرح حديث النزول)) (ص ٣٧، ٦٢)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٧١، ٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>