للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيا: أن التأويل تحريف لنصوص الصفات والتحريف ميراث اليهود.

وثالثاً: أن التأويل تعطيل لصفات الله العليا وإبطالها حتى بنص الإمام أبي حنيفة، إلى غيرها من الوجوه التي ذكرناها لإبطال التأويل.

وقد ذكر شيخ الإسلام والإمام ابن القيم وجوها كثيرة لإبطال تأويل صفة النزول وأن أحاديث النزول نصوص صريحة لا تحتمل التأويل.

وأما الجواب التفصيلي:

فنجيب عن الشبهة الأولى: أولاً: أن رواية النسائي: ((يأمر منادياً ينادي ... )) رواية شاذة مخالفة لما استفاض وتواتر وتلقته الأمة بالقبول من أن القائل: ((من يدعوني .. من يسألني، من يستغفرني ... )) هو الله تعالى الذي استوى على عرشه فوق عباده العالي على خلقه وأن الذي ينزل هو الله تعالى ومن المقرر في علم مصطلح الحديث: "أن الضعيف لا يعل به (١) الصحيح. " فلا يصح كون رواية النسائي هذه حاكمة على اللفظ المتواتر المستفيض المتلقى بالقبول المسجل في أمهات دواوين الإسلام من الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها.

ثانياً: أنه لو سلم صحة تلك الرواية فلا منافاة بينها وبين أحاديث نزول الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى ينزل هو، كما يأمر ملكاً ينادي أيضاً. قال شيخ الإسلام: " ... فإن هذا إن كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الرب يقول: ذلك ويأمر منادياً بذلك، لا أن المنادي يقول: ((من يدعوني فأستجيب له) ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن المنادي يقول ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه - مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي تلقته الأمة خلفاً عن سلف - فاسدٌ في المعقول فعلم أنه من كذب بعض المبتدعين ... " (٢).

والجواب عن الشبهة الثانية: أن هذه الرواية عن مالك باطلة عاطلة موضوعة مصنوعة فراويها حبيب بن أبي حبيب (٢١٨هـ) قال فيه الإمام أحمد: "كان يكذب. وقال أبو داود: "كان يكذب. وقال أبو داود: "كان من أكذب الناس" وقال النسائي وأبو حاتم والأزدي: "متروك الحديث" وقال ابن حبان: "أحاديثه كلها موضوعة، عامة حديثة موضوع المتن مقلوب الإسناد لا يحتشم في وضع الحديث على الثقات، وأمره بين الكذب" وقال النسائي: "يضع الحديث، متروك، أحاديثه موضوعة عن مالك وغيره". وقال محمد بن سهل: "كتبنا عنه عشرين حديثاً وعرضناها على ابن المديني قال: كله كذب" وقال أبو حاتم: "روي عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة"، وقال ابن عدي: "أحاديثه كلها موضوعة" (٣).قلت: والكلام فيه واسع الذيل فهل يعتمد الكوثري في تحريف نصوص الصفات وتعطيلها بمثل هؤلاء الكذابين الوضاعين؟؟!! وهذه حقيقة اعترف بها عبدالله الغماري صديق (٤) الكوثري ومشربيُّه في البدع. وقال الإمام ابن القيم: " ... ؛ فإن المشهور عنه - (أي مالك) - وعن أئمة السلف إقرار نصوص الصفات والمنع من تأويلها ... وهذه الرواية لها إسنادان أحدهما من طريق حبيب كاتبه، وحبيب هذا غير حبيب، بل هو كذاب وضاع باتفاق أهل الجرح والتعديل، ولم يعتمد أحد من العلماء على نقله، والإسناد الثاني فيه مجهول لا يعرف حاله ... " (٥).

والجواب عن الشبهة الثالثة:

أن الإمام ابن القيم رحمه الله ذكر في الجواب عن هذا الرواية عن الإمام أحمد:


(١) انظر: ((فتح الباري)) (٤/ ٣٦٥).
(٢) ((شرح حديث النزول)) (ص ٣٧)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٧٢).
(٣) ((ضعفاء النسائي)) (ص ٩٠)، و ((الجرح)) (٣/ ١٠٠)، و ((المجروحين)) (١/ ٢٦٥)، و ((الكامل)) (٢/ ٨١٨) و ((الميزان)) (١/ ٤٥٢)، و ((التهذيب)) (٥/ ٣٦٦)، و ((تهذيبه)) (٢/ ١٨١)، و ((تقريبه)) (ص ١٥٠).
(٤) ((تعليقاته على التمهيد)) لابن عبدالبر (٧/ ١٤٣).
(٥) ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٤٠٧) ط/ الجديدة، و (٣٩١) ط/ العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>