للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الآية صريحة في إثبات اليدين لله على الحقيقة وتمنع احتمال كل تأويل ومجاز قال الإمام ابن خزيمة: "وزعم بعض الجهمية أن معنى قوله: "خلق الله آدم بيديه": أي بقوته فزعم أن "اليد" هي القوة، وهذا من التبديل أيضاً، وهو جهل بلغة العرب، والقوة إنما تسمى "الأيد" في لغة العرب، لا "اليد" فمن لا يفرق بين "الأيد" و"اليد" فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة.

قد أعلمنا الله عز وجل أنه خلق السماء بأيد، و"اليد واليدان" غير "الأيد" إذ لو كان الله خلق آدم بأيد كخلقه السماء دون أن يكون الله خص خلق آدم بيديه لما قال: لإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.

ولا شك ولا ريب أن الله عز وجل قد خلق إبليس - عليه لعنة الله - أيضاً بقوته، أي إذا كان قوياً على خلقه فما معنى قوله: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:٧٥]؟.عند هؤلاء المعطلة، والبعوض، والنمل، وكل مخلوق فالله خلقهم عنده بأيد وقوة" (١).

٣ - قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: ٦٧].

فهذه الآية تدل دلالة واضحة على إثبات اليمين لله تعالى كما تدل على إثبات يده الأخرى بطريق الإشارة وكلتا يدي ربنا يمين وسياق هذه الآية أيضاً لا يحتمل التأويل والمجاز، ونكتفي بذكر هذه الآيات الثلاثة وإلا فالآيات في الباب كثيرة.

قال الإمام ابن خزيمة: "وزعمت الجهمية المعطلة، أن معنى قوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:٦٤] أي النعمتان، وهذا تبديل لا تأويل.

والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق الباري، ولله يدان لا أكثر منهما ... فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله تعالى.

وقال الله عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:٦٧].

أفلا يعقل أهل الإيمان: أن الأرض جميعاً لا تكون قبضةَ إحدى نعمتيه يوم القيامة، ولا أن السموات مطويات بالنعمة الأخرى؟.ألا يعقل ذوو الحجا من المؤمنين، أن هذه الدعوى التي يدعيها الجهمية جهل أو شر من الجهل؟!! بل الأرض جميعاً قبضة ربنا جل وعلا بإحدى يديه يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، وهي اليد الأخرى وكلتا يديه يمين" (٢).

هذه كانت نماذج من النصوص القرآنية الصريحة في إثبات صفة "اليدين لله تعالى التي لا تقبل التأويل.

ب- من السنة الصحيحة المحكمة الصريحة:١ - قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس في الشفاعة الكبرى: ((يا آدم أما ترى الناس خلقك الله بيديه، وأسجد لك ملائكته)) (٣). الحديث.٢ - وقوله صلى الله عليه وسلم في تحاجّ آدم وموسى عليهما السلام: ((قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده)) (٤).٣ - وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يد الله ملأى)) (٥) وفي رواية ((يمين الله)) ((لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ... وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع)) (٦).٤ - وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)) (٧).

٥ - ومثله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.٦ - وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فُولُوُّه أو فصيله)) (٨).٧ - وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلاً لأهل الجنة)) (٩). الحديث.

المصدر:الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني ٣/ ٥١


(١) ((كتاب التوحيد)) (١/ ١٩٩).
(٢) ((كتاب التوحيد)) (١/ ١٩٧).
(٣) رواه البخاري (٧٤١٠)
(٤) رواه البخاري (٦٦١٤) واللفظ له ومسلم (٢٦٥٢)
(٥) رواه البخاري (٤٦٨٤)
(٦) رواه البخاري (٧٤١٩) ومسلم (٩٩٣)
(٧) رواه البخاري (٤٨١٢) ومسلم (٢٧٨٧)
(٨) رواه مسلم (١٠١٤)
(٩) رواه البخاري (٦٥٢٠) ومسلم (٢٧٩٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>