للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ: هذا هو كلام الباقلاني الذي ليس عنده مجاراة للحشوية وهو صريح في التنزيه البات عند الكوثري، وقد عرفت أنه صريح في إثبات "اليدين" لله تعالى.٣ - ومثله كلام مهم للإمام أبي الحسن علي بن خلف الكبري المعروف بابن بطال (٤٤٩هـ) ذكر نص كلامه الحافظ ابن حجر وأقره (١).

٤ - وقال الإمام أبو محمد عبدالواحد السفاقسي المالكي المعروف بابن التين (٦١١هـ):"قوله: "وبيده الأخرى الميزان" يدفع تأويل اليد هنا بالقدرة، وكذا قوله في حديث ابن عباس رفعه: ((أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين)) الحديث (٢).وقريب من كلام هؤلاء كلام ابن فورك والبيهقي (٣) ولعل كلامهم مأخوذ من كلام ابن خزيمة (٤).

فهؤلاء كلهم يثبتون صفة اليدين له تعالى بدون تأويل، فهل هؤلاء مشبهة وثنية؟.

الوقفة الثالثة:

في ذكر بعض النصوص القرآنية والحديثية الدالة على تحقيق صفة "اليدين" التي لا تحتمل المجاز إطلاقاً.

والتي استدل بها كبار أئمة الإسلام وأساطين الكلام الذين يعظمهم الماتريدية ولا يمكن لهم أن يرموهم بالوثنية والتجسيم والتشبيه، على أقل التقدير.

أمثال البخاري (٢٥٦هـ) والأشعري (٣٢٤هـ) والباقلاني (٤٠٣هـ) وابن فورك (٤٠٦هـ) والبيهقي (٤٥٨هـ) لتتم الحجة على الماتريدية ولا يبقى لهم عذر.

أ- فمن كتاب الله تعالى:

١ - قوله سبحانه وتعالى في الرد على اليهود: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة: ٦٤].

فهذه الآية الكريمة صريحة في إثبات "اليدين" له تعالى، كما تدل على أن اليهود كانوا معترفين بإثبات اليد لله تعالى غير أن الله تعالى رد عليهم في نسبتهم النقص إلى يد الله تعالى بأنها مغلولة فقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:٦٤] فكذبهم في مقالتهم. قال الإمام ابن خزيمة (٣١١هـ) "وافهم ما أقول من جهة اللغة تفهم وتستيقن أن الجهمية مبدلة لكتاب الله، لا متأولة قوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:٦٤] لو كان معنى "اليد" النعمة - كما ادعت الجهمية - لقرئت: (بل يداه مبسوطة)، أو منبسطة، لأن نعم الله أكثر من أن تحصى، ومحال أن تكون نعمة نعمتين لا أكثر - فلما قال عز وجل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:٦٤] كان العلم محيطاً أنه أثبت لنفسه يدين لا أكثر منها ... بيقين يعلمُ كل مؤمن أن الله لم يرد بقوله: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ أي غلت نعمهم لا ولا اليهود أن نعم الله مغلولة، وإنما رد الله عليهم مقالتهم وكذبهم في قولهم: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان" (٥).

٢ - قوله تعالى: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ [ص: ٧].


(١) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٩٣).
(٢) رواه الآجري في الشريعة (٥٤٢) (٢/ ٩٤٧) بهذا السياق قال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٣١٣٦): إسناده صحيح ... وللحديث شواهد متفرقة
(٣) انظر: ((مشكل الحديث)) (ص ١٠٦، ٣٢٧)، و ((الاعتقاد)) (ص ٨٨)، و ((الأسماء والصفات)) (ص ٣١٤ - ٣١٩)، و ((كتاب التوحيد)) (١/ ١٩٧ - ١٩٩).
(٤) انظر: ((مشكل الحديث)) (ص ١٠٦، ٣٢٧)، و ((الاعتقاد)) (ص ٨٨)، و ((الأسماء والصفات)) (ص ٣١٤ - ٣١٩)، و ((كتاب التوحيد)) (١/ ١٩٧ - ١٩٩).
(٥) ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (١/ ١٩٨، ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>